للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذكَرَ ابنُ عبدِ الحكم، عن مالكٍ، قال: إذا حاضَتِ المرأةُ أو نَفِسَتْ قبلَ الإفاضةِ، فلا تَبْرحْ حتّى تطهُرَ وتطُوفَ بالبيتِ، ويُحبَسُ عليها الكريُّ، ما يُحبَسُ على الحائضِ خمسةَ عشَرَ يومًا، ويُحبَسُ على النُّفساءِ حتّى تَطْهُرَ بأقْصَى ما يَحبِسُ النِّساءَ الدَّمُ، ولا حُجّةَ للكَرِيِّ أن يقول: لم أعلَمْ أنَّها حامِلٌ، وليسَ عليها أن تُعيِنهُ في العَلَفِ. قال: وإن حاضَتْ بعد الإفاضةِ، فلتنفِر. قال: وإنِ اشْتَرطَتْ عليه عُمرةَ المُحرِم، فحاضَتْ قبل أن تَعْتمِر، فلا يُحْبَسُ عليها كَرِيُّها، ولا يَرْجِعُ عليها من الكِراءِ شيءٌ. قال: وإن كان بينَ الحائضِ وبين طُهْرِها اليومَ واليَومَيْنِ، أقامَ معها أبدًا، وإن كان بين ذلك أيامٌ، لم يُحبَسْ إلّا كريُّها وحدَهُ (١).

وقال محمدُ بن الموّازِ: لستُ أعرِفُ حَبْسَ الكريِّ وحدَهُ، كيفَ يحبِسُهُ وحدهُ، يُعرِّضُهُ ليُقطَعَ عليه الطَّريقُ للوَحْدةِ (٢).

وفي الحَديثِ المذكُورِ في هذا البابِ دليلٌ واضِحٌ على ما ذكَرْنا، إلّا أنَّ الفُقهاءَ اختَلفُوا فيمَنْ تركَ طوافَ الوَداع غيرَ الحائضِ.

فقال مالكٌ (٣): من تركَ وداعَ البيتِ أساءَ، ولا دمَ عليه؛ لأنَّ الوداعَ عندَهُ (٤) من مُستحبّاتِ الحجِّ، بدليلِ قولِهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فاخرُجنَ". وفي غيرِ هذا الحديثِ: "فلا إذَنْ" (٥). وهذا تنبيهٌ على أنَّهُ لم يبقَ عليها من النُّسُكِ شيءٌ.

ومِمّا يدُلُّ على ذلك، أنَّ أهلَ مكّةَ والمُقيمينَ بها، لا وداعَ عليهم، فعُلِمَ أنَّهُ استِحباب، والمُستَحَبُّ إذا تُرِكَ، ليسَ فيه دمٌ، ولمّا كان طوافُ الوداع بعدَ اسْتِباحةِ وطءِ النِّساءِ، أشبهَ طوافَ المكِّيِّ والمُعتمِرِ، فلا شيءَ فيه.


(١) انظر: المدونة ١/ ٤٩٣.
(٢) في م: "الموحدة".
(٣) في الموطأ ١/ ٤٩٧ (١٠٨٣).
(٤) في م: "عنها".
(٥) أخرجه مالك في الموطأ ١/ ٥٥١ (١٢٣٤) من حديث عائشة.

<<  <  ج: ص:  >  >>