للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو عُمر: اختلَفَ النّاسُ في معنى قولِهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنَّ الميِّتَ ليُعذَّبُ ببُكاءِ أهلِهِ عليه"، فقال منهُم قائلُونَ: معناهُ أن يُوصِيَ بذلك الميِّتُ.

وقال آخرُونَ: معناهُ أن (١) يُمْدَحَ في ذلك البُكاءِ، بما كان يُمدَحُ به أهلُ الجاهِليّةِ من الفَتَكاتِ والغَدَراتِ وما أشْبَهها من الأفعالِ، التي هي عندَ اللَّه ذُنُوبٌ، فهُم يَبْكُونَ لفَقْدِها، ويَمْدحُونهُ بها، وهُو يُعذَّبُ من أجْلِها، فكأنَّهُ قال: يُعذَّبُ بما يُبْكَى عليه به، ومن أجلِهِ.

وقال آخرُونَ: البُكاءُ في هذا الحديثِ، وما كان مِثلَهُ، معناهُ: النِّياحةُ وشقُّ الجُيُوبِ، ولَطْمُ الخُدُودِ، ونَحْوُ هذا من (٢) النِّياحةِ، وأمّا بُكاءُ العَيْنِ فلا.

وذهبت عائشةُ، إلى أنَّ أحدًا لا يُعذَّبُ بفِعلِ غيرِهِ.

وهُو أمرٌ مُجتَمعٌ عليه، لقولِ اللَّه عزَّ وجلَّ: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: ١٦٤].

وقال -صلى اللَّه عليه وسلم- لأبي رِمثةَ في ابنِهِ (٣): "إنَّكَ لا تَجْني عليه، ولا يَجْني عليكَ" (٤). وقال اللَّهُ عزَّ وجلَّ: {وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا} [الأنعام: ١٦٤].


(١) هذا الحرف سقط من م.
(٢) في م: "مثل".
(٣) هكذا الرواية هنا، ولعل الصواب: "أبيه" كما في رواية سفيان الثوري في مسند أحمد (٧١٠٤) و (٧١٠٧)، وعبيد اللَّه بن إياد في مسند أحمد أيضًا (٧١٠٩) و (٧١١٦)، وعبد الملك بن سعيد بن أبجر كما في مسند أحمد (٧١١٠)، وعلي بن صالح في مسند أحمد (٧١١٢) حيث قال كل هؤلاء: إن أبا رمثة كان مع أبيه.
(٤) أخرجه أحمد في مسنده ١١/ ٦٧٦ - ٦٧٩ (٧١٠٦، ٧١٠٧، ٧١٠٨، ٧١٠٩)، وأبو داود (٤٢٠٨، ٤٤٩٥)، والترمذي في الشمائل (٤٥)، والنسائي في المجتبى ٨/ ٥٣، وفي الكبرى ٦/ ٣٦٦ (٧٠٠٧)، وابن الجارود في المنتقى (٧٧٠)، وابن حبان ١٣/ ٣٣٧ (٥٩٩٥)، والطبراني في الكبير ٢٢/ ٢٧٨ - ٢٨٢ (٧١٣ - ٧٢١)، والحاكم في المستدرك ٢/ ٤٢٥، وأبو نعيم في حلية الأولياء ٧/ ١١٨، والبيهقي في الكبرى ٨/ ٢٧. والروايات مطولة ومختصرة. وانظر: المسند الجامع ١٦/ ٢٤٦ - ٢٤٧ (١٢٤٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>