للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويُوقِفَهُم عليه، وَيَمْنعَهُم منهُ، ويُعَلِّمَهُم ذلك كلَّهُ، لقولِ اللَّه عزَّ وجلَّ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا}.

قالوا: فإذا علِمَ الرَّجُلُ المُسلِمُ ما جاءَ عن رسُولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في النِّياحةِ على الميِّتِ، والنَّهي عنها، والتَّشديدِ فيها، ولم يَنْهَ عن ذلك أهلهُ، ونِيحَ عليه بعدَ ذلك، فإنَّما يُعذَّبُ بما نِيحَ عليه؛ لأنَّهُ لم يَفْعل ما أُمِر به من نَهْي أهلِهِ عن ذلك، وأمرِهِ إيّاهُم بالكَفِّ عنهُ، وإذا كان ذلك كذلك، فإنَّما يُعذَّبُ بفِعلِ نَفسِهِ وذَنبِهِ، لا بذَنْب غيرِهِ، وليسَ في ذلك ما يُعارِضُ قولَ اللَّه عزَّ وجلَّ: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [فاطر: ١٨]. وكان ما رَواهُ عُمرُ، وابنُ عُمرَ، والمُغيرةُ، وغيرُهُم، صحيحَ المعنى، غيرَ مدفُوع، وباللَّه التَّوفيقُ.

وقال المُزنيُّ (١): بَلَغني أنَّهُم كانوا يُوصُونَ بالبُكاءِ عليهم، أو بالنِّياحةِ، أو بهما، وهي مَعْصيةٌ، ومن أمَرَ بها، فعُمِلَتْ بعدهُ، كانت لهُ ذنبًا، فيجُوزُ أن يُزادَ بذنبِهِ عذابًا، كما قال الشّافِعيُّ، لا بذنبِ غيرِهِ.

قال أبو عُمر: وأمّا البُكاءُ بغيرِ نِياح، فلا بأسَ به عندَ جماعةِ العُلماءِ، وكلُّهُم يكرهُونَ النِّياحةَ، ورفعَ الصَّوتِ بالبُكاءِ والصُّراخ.

والفَرْقُ في ذلك عندَهُم بيِّن، بيَّنَ ذلك ما مَضَى في هذا البابِ من الآثارِ في النِّياحةِ، ولَطْم الخُدُودِ، وشقِّ الجُيُوبِ، مع قولِهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إذ بَكَى على ابنِهِ إبراهيمَ: "تَدْمعُ العينُ، وَيَحْزنُ القَلْبُ، ولا نَقولُ ما يُسْخِطُ الرَّبَّ". رواهُ ثابتٌ، عن أنَسٍ، عنِ النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- (٢).


(١) في مختصره الملحق بالأم ٨/ ١٣٤.
(٢) أخرجه أحمد في مسنده ٢٠/ ٣١٦ (١٣٠١٤)، وعبد بن حميد (١٢٨٧) والبخاري (١٣٠٣)، ومسلم (٢٣١٥) (٦٢)، وأبو داود (٣١٢٦)، والبزار في مسنده ١٣/ ٣٢٤ (٦٩٣١)، وأبو يعلى (٣٢٨٨)، وابن حبان ٧/ ١٦٢ (٢٩٥٢)، والبيهقي في الكبرى ٤/ ٦٩، من طريق ثابت، به مطولًا. وانظر: المسند الجامع ١/ ٣٩٥ (٥٧١).

<<  <  ج: ص:  >  >>