للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورَوَى عبدُ الرَّحمنِ بن عَوْفٍ، أنَّهُ قال لهُ حينئذٍ: أتَبْكي يا رسُولَ اللَّه، وأنتَ تَنْهى عنِ البُكاءِ؟ فقال: "لم أنهَ عن البُكاء (١)، إنَّما نَهَيتُ عن صَوْتينِ أحْمَقينِ فاجِرينِ: صَوْتِ لهوٍ ولعِبٍ ومَزاميرِ شيطانٍ عندَ نِعمةٍ، وصَوْتٍ عندَ مُصيبةٍ؛ لطم وُجُوهٍ، وشِقِّ جُيُوبٍ، ورنّةِ شَيْطانٍ، وهذه رحمةٌ، ومن لا يَرْحَمْ لا يُرحَمْ. يا إبراهيمُ، لولا أنَّهُ وَعدٌ صِدْقٌ، وقولٌ حقٌّ، وأنَّ أُخْرانا يَلْحقُ أُولانا، لحزِنّا عليك حُزنًا أشدَّ من هذا، وإنّا بكَ يا إبراهيمُ لمحزُونُون، تَدْمعُ العينُ، ويحزنُ القلبُ، ولا نَقولُ ما يُسْخِطُ الرَّبَّ". رواهُ ابنُ أبي ليلى، عن عَطاءٍ، عن جابرٍ، عن عبدِ الرَّحمنِ بن عَوْفٍ، عنِ النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- (٢).

ورَوَى أبو عُثمانَ النَّهديُّ، عن أُسامةَ بن زَيْدٍ، نحوَ هذا المعنَى، عنِ النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في غيرِ ابْنِهِ إبراهيمَ، أظُنُّهُ ابنَ بعضِ بناتِهِ، أُتِيَ به ونَفسُهُ تَقَعْقَعُ (٣) فجَعلهُ في حَجرِهِ، ودَمَعَتْ عيناهُ وفاضَتْ، فقال لهُ سعدٌ: ما هذا؟ فقال: "إنَّها رَحْمةٌ يَضَعُها اللَّهُ في قَلْبِ من يشاءُ، وإنَّما يَرْحمُ اللَّهُ من عِبادِهِ الرُّحماءَ" (٤).

ورَوَى أبو هريرةَ: أنَّ النَّبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كان في جِنازةٍ، فبَكَتِ امرأةٌ، فصاح بها عُمرُ، فقال لهُ رسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "دَعها يا عُمرُ، فإنَّ العينَ دامِعةٌ، والنَّفسَ مُصابةٌ، والعهدَ


(١) قوله: "لم أنه عن البكاء" سقط من م.
(٢) سيأتي بإسناده في شرح الحديث الحادي والستين من البلاغات، وهو في الموطأ ٢/ ٤٨٤ (٢٦٢٤). وانظر تخريجه هناك.
(٣) تَقَعْقَعُ: أي تَضْطرب وتتحرك. وقيل: أي كلما صدرت إلى حال، لم تلبث أن تصير إلى حال أخرى تقربه من الموت، لا تثبت على حال واحدة. لسان العرب ٨/ ٢٨٦.
(٤) أخرجه الطيالسي (٦٧١)، وأحمد في مسنده ٣٦/ ١٠٩، ١١٣، ١٢٤ (٢١٧٧٦، ٢١٧٧٩، ٢١٧٨٩)، والبخاري (١٢٨٤، ٥٦٥٥، ٦٦٥٥، ٧٣٧٧)، ومسلم (٩٢٣)، وأبو داود (٣١٢٥)، وابن ماجة (١٥٨٨)، والبزار في مسنده ٧/ ٤٨ (٢٥٩٣)، والنسائي في المجتبى ٤/ ٢١، وفي الكبرى ٢/ ٣٩٧ (٢٠٠٧)، وابن حبان ٢/ ٢٠٨، و ٧/ ٤٢٩ (٤٦١، ٣١٥٨)، والبيهقي في الكبرى ٤/ ٦٥، من طريق أبي عثمان، به. وانظر: المسند الجامع ١/ ١٠٢ - ١٠٣ (١٠٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>