للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إحداكُنَّ تمكُثُ في شرِّ أحلاسِها في بَيْتِها إلى الحولِ، فإذا كان الحولُ، فمرَّ كلبٌ، رَمَتهُ ببَعرةٍ، ثُمَّ خرجَتْ، فلا، أربَعةَ أشْهُرٍ وعشرًا".

فإنَّ الخليلَ رحِمهُ اللَّه، قال (١): الحِلْسُ، واحِدُ أحْلاسِ البيتِ، وهُو كالمِسح، وحَلَستُ البعير (٢)، أحلِسُهُ حِلسًا: إذا غشَّيتَهُ بحِلْسٍ، وهُو ما ولي ظهَرَ البَعيرِ، ورجُلٌ مُتَحلِّسٌ، إذا لزِم المكان، ومحُلِسٌ أيضًا، وأرضٌ محُلِسةٌ، إذا صارَ النَّباتُ على الأرْضِ كالحِلْسِ لها.

وذكرَ في الاسْتِحلاسِ، والإحْلاسِ وُجُوهًا كثيرةً.

وقال أبو عُبيدٍ (٣): قولُهُ: "فمرَّ كلبٌ، رَمتهُ ببعرةٍ". بمَعنى أنَّها كانت في الجاهِليّةِ تَعْتدُّ على زوجِها إذا ماتَ عنها عامًا، لا تخرُجُ من بيتِها، ثُمَّ تَفعلُ ذلك في رَأسِ الحَولِ، لتُري النّاس أنَّ إقامَتها حَوْلًا بعدَ زوجِها، أهْوَنُ عليها من بَعْرةٍ يُرمَى بها كلبٌ.

قال: وقد ذَكرُوا هذه الإقامةَ عامًا في أشعارِهِم، قال لبيدٌ يمدحُ قَومهُ (٤):

وهُمُ ربيعٌ للمُجاوِرِ فيهمُ ... والمُرملاتُ إذا تَطاولَ عامُها

ونزلَ بذلك القُرآنُ، قولُهُ عزَّ وجلَّ: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} [البقرة: ٢٤٠] ثُمَّ نُسِخ ذلك بقولِهِ: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: ٢٣٤] فقال النَّبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: كيفَ لا تصبِرُ إحداكُنَّ هذا القدرَ، وقد كانت تصبِرُ حَوْلًا؟ وباللَّه التَّوفيقُ (٥).


(١) انظر: العين ٣/ ١٤٢.
(٢) في الأصل، م: "الشعر".
(٣) انظر: غريب الحديث له ٢/ ٩٦.
(٤) انظر: شرح ديوان لبيد، ص ٣٢١.
(٥) جاء في حاشية الأصل: "بلغت المقابلة بحمد اللَّه وحسن عونه".

<<  <  ج: ص:  >  >>