عن أبي هريرةَ، أنَّ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- سجَد يومَ ذي اليدَيْنِ سجدَتَيْنِ بعدَ السلام (١).
وقد زعَم بعضُ أهلِ الحديثِ أنَّ في هذا الحديثِ دليلًا على قَبُولِ خبرِ الواحدِ، وقد ادَّعَى المخالفُ أنَّ فيه حُجةً على مَن قال بخبرِ الواحدِ، والصحيحُ أنَّه ليسَ بحُجَّةٍ في قَبولِ خبرِ الواحدِ ولا في ردِّه.
وفيه أيضًا دليلٌ على أنَّ الكلامَ في الصلاةِ، إذا كان فيما يُصلِحُها وفيما هو منها، لا يُفسِدُها، عمدًا كان أو سهوًا، إذا كان فيما يُصلِحُها، وقد اختلَف في هذا المعنَى جماعةُ الفقهاءِ من أصحابِنا وغيرِهم، على ما نُبيّنُه إن شاء اللَّه.
وفيه أنَّ مَن تكلَّم في الصلاةِ وهو يظنُّ أنَّه قد أتمَّها، وهو عندَ نفسِه في غيرِ صلاةٍ أنَّه يبني ولا تفسُدُ صلاتُه.
فأما قولُ مالكٍ وأصحابِه في هذا البابِ؛ فإنَّهم اختلفوا فيه واضطربَتْ أقاويلُهم ورواياتُهم فيه عن مالكٍ.
فروَى سُحْنُونٌ، عنِ ابنِ القاسم، عن مالكٍ، قال: لو أنَّ قومًا صلَّى بهم رجلٌ رَكْعتين وسَلَّم ساهيًا، فسبَّحوا به فلم يَفقَهْ، فقال له رجلٌ من خلفِه ممن هو معه في الصلاةِ: إنكَ لم تُتمَّ، فأتمَّ صلاتَك. فالتفَت إلى القوم، فقال: أحقٌّ ما يقولُ هذا؟ فقالوا: نعم. قال: يُصلِّي بهم الإمامُ ما بَقِيَ من صلاتِهم، ويُصَلُّون معه بقِيَّةَ صلاتِهم؛ مَن تكلمَ منهم ومَن لم يتكلمْ، ولا شيءَ عليهم، ويفعلون
(١) أخرجه النسائي في المجتبى (١٢٣٣)، وفي الكبرى ١/ ٣٥٢ (٥٧٥) و ٢/ ٥٠ (١١٥٧)، والطحاوي في شرح معاني الآثار ١/ ٤٣٩ (٢٥٥٥) من طريق عبد اللَّه بن وهب، عن الليث بن سعد، به. ورجال إسناد المصنِّف ثقات غير عبد اللَّه بن صالح، وهو أبو صالح المصري كاتب الليث بن سعد، فهو صدوق حسن الحديث كما هو مبيّنٌ في تحرير التقريب (٣٣٨٨)، وهو متابع، تابعَهُ عبد اللَّه بن وهب المصري كما في مصادر التخريج. جعفر بن ربيعة: هو الكنديُّ، أبو شرحبيل المصري، وقد سقط ذكره من المطبوع من شرح المعاني، وهو ثقة.