للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالهُ ابنُ وَهْبٍ، قال: وقد كان ابنُ القاسم يقولُ: إذا انْتَهى الماءُ في الحائطِ إلى مِقدارِ الكعبينِ من القائم، أرسلهُ كلَّهُ إلى من تحتهُ، وليسَ يحبِسُ منهُ شيئًا في حائطِهِ.

وقولُ مُطرِّفٍ وابنِ الماجِشُونِ أحبُّ إليَّ في ذلك، وهُما أعلمُ بذلك؛ لأنَّ المدينةَ دارُهُما، وبها كانتِ القِصّةُ (١)، وفيها جَرَى العَملُ بالحديثِ.

ورَوَى زيادٌ، عن مالكٍ، قال: تفسيرُ قِسْمةِ ذلك: أن يُجريَ الأوَّلُ الذي حائطُهُ أقْرَبُ إلى الماءِ يُجْرِي الماءَ في ساقِييهِ إلى حائطِهِ بقَدْرِ ما يكونُ الماءُ في السّاقيةِ إلى حَدِّ كعبَيهِ، فيُجْريه كذلك في حائطِهِ، حتّى يرويَهُ، ثُمَّ يفعلُ الذي يَلِيهِ كذلك، ثُمَّ الذي يَلِيهِ كذلك، ما بَقِي من الماءِ شيءٌ. قال: وهذه السُّنّةُ فيهما، وفيما يُشبِهُهُما، مِمّا ليسَ لأحدٍ فيه حقٌّ مُعيَّنٌ، الأوَّلُ أحقُّ بالتَّبدِيةِ، ثُمَّ الذي يَلِيهِ، إلى آخِرِهِم رجُلًا.

قال أبو عُمر: ظاهِرُ الحديثِ يَشْهدُ لما قالهُ ابنُ القاسم؛ لأنَّ فيه: "ثُمَّ يُرسِلُ الأعلى على الأسفل"، ولم يَقُل: ثُمَّ يُرسِلُ بعضَ الأعلى. وفي الحديثِ الآخرِ: "ثُمَّ يحبِسُ الأعلى"، وهذا كلُّهُ يشهدُ لابنِ القاسم.

ومن جِهةِ النَّظرِ أيضًا: أنَّ الأعْلَى لو لم يُرسِل إلّا ما زادَ على الكَعْبينِ، لانقطَعَ ذلك الماءُ في أقلِّ مُدّةٍ، ولم يَنْتهِ حَيْثُ ينتهي، إذا أرسلَ الجميع.

وفي إرسالِ الجَميع بعدَ أخْذِ الأعلى منهُ ما بلَغَ الكعبينِ، أعمُّ فائدةً، وأكثرُ نَفْعًا فيما قد جُعِل النّاسُ فيه شُركاءَ، فقولُ ابنِ القاسم أوْلَى على كلِّ حالٍ.

وفي المسألةِ كلامٌ ومُعارضاتٌ لا معنَى للإتيانِ بها، والصَّحيحُ ما ذكَرْنا، وباللَّه توفيقُنا.


(١) في تفسير غريب الموطأ: "القضية".

<<  <  ج: ص:  >  >>