للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمّا اختِلافُ الفُقهاءِ في الحائضِ تَطْهُرُ قبلَ الفَجْرِ، فلا تَغْتسِلُ حتّى يَطْلُع الفَجرُ، فإنَّ مالكًا (١)، والشّافِعيَّ، والثَّوريَّ، وأحمد، وإسحاقَ، وأبا ثورٍ يقولُونَ: هي بمَنْزِلةِ الجُنُبِ، وتَغْتسِلُ وتصُومُ، ويُجزئها صَوْمُ ذلك اليوم (٢).

وقال عُبيدُ اللَّه بن الحَسَنِ العَنْبريُّ والحسنُ بن حيٍّ والأوزاعيُّ: تَصُومُهُ وتَقْضيهِ.

وقال أبو حنيفةَ وأصحابُهُ: إن كانت أيامُها أقلَّ من عَشَرةٍ، صامَتهُ وقَضَتهُ، وإن كانت أيامُها عَشَرةً، فإنَّها تَصُومُ، ولا تَقْضي.

قال أبو عُمر: قدِ اتَّفقَ هؤُلاءِ كلُّهُم، على أنَّها تصُومُهُ، واختَلَفُوا في قَضائهِ، ولا حُجّةَ مع من أوجَبَ القَضاءَ فيه، وإيجابُ القضاء إيجابُ (٣) فرضٍ، والفَرائضُ لا تَثْبُت من جِهةِ الرَّأيِ، وإنَّما تَثبُت من جِهةِ التَّوقيفِ بالأُصُولِ الصِّحاح.

ولا أدري، إن كان عبدُ الملكِ بنُ الماجِشُونِ يَرى صومَهُ أم لا؛ لأنَّهُ يقولُ: إنَّ يومَها ذلك يومُ فِطْرٍ. فإن كالت لا يَرى صومهُ، فهُو شاذٌّ، والشُّذُوذُ لا نُعرِّجُ عليه.

ولا معنى لِما اعتلَّ به، من أنَّ الحيضَ يَنْقُضُ الصَّومَ، والاحتِلامُ لا ينقُضُهُ؛ لأنَّ من طَهُرت من حَيْضتِها، ليست بحائضٍ، والغُسلُ بالماءِ عِبادةٌ، ومعلُومٌ أنَّ الغُسلَ معنًى، والطُّهرُ غيرُهُ، فتَدبَّر.

والصَّحيحُ في هذا البابِ، ما ذهَبَ إليه مالكٌ، والشّافِعيُّ، والثَّوريُّ، ومن تابَعهُم، وباللَّه التَّوفيقُ.


(١) انظر: المدونة ١/ ٢٧٦.
(٢) انظر: مختصر اختلاف العلماء ٢/ ٣٤، ومنه نقل المصنف ما بعده.
(٣) قوله: "القضاء إيجاب" سقط من م.

<<  <  ج: ص:  >  >>