وهذه المسألةُ عندَ أكثرِ المالكيين البغداديينَ وغيرِهم محمولةٌ من قولِ ابنِ القاسم، على أنَّ المصلِّيَ إنما يجوزُ له الكلام في إصلاح الصلاةِ، للضرورةِ الدافعةِ إليه إذا كان في صلاةِ جماعةٍ، ولا يجوزُ ذلك للمنفردِ؛ لأنَّه لا يُوجَدُ بُدٌّ لمن سُبِّحَ به، ولم يفقَهْ بالتَّسبيح، أن يُكلَّمَ ويُفصَحَ له بالمرادِ للضرورةِ الداعيةِ إلى ذلك في إصلاح الصلاةِ؛ تأسِّيًا بفعل النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- مع أصحابِه يومَ ذي اليَدَيْنِ.
قال أبو عُمر: فكانوا يُفرِّقُون في هذه المسألةِ بينَ الجماعةِ وبينَ المُنْفَرِد، فيُجِيزون من الكلام في شأنِ الصلاةِ للإمام ومَن معه ما لا يُجيزونه للمنفردِ.
وكان غيرُ هؤلاءِ منهم يَحمِلون جوابَ ابنِ القاسم في المنفردِ في هذه المسألةِ، على خلافٍ من قولِه في استعمالِ حديثِ ذي اليَدَيْنِ، كما اختلَف قولُ مالكٍ في ذلك، وَيذهبون إلى جوازِ الكلام في إصلاح الصلاةِ للمنفردِ والجماعةِ، ويقولون: لا فرقَ بينَ أن يُكلِّمَ الرجلُ في إصلاح الصلاةِ مَن معه فيها، وبينَ أن يُكلِّمَ مَن ليس معه فيها، إذا كان ذلك في شأنِ إصلاحِها وعَمَلِها، كما أنَّه لا فرقَ بينَ أن يُكلِّمَ رجلٌ مَنْ معه فيها ومَنْ ليسَ معه فيها بكلامٍ في غيرِ إصلاحِها، في أنَّ ذلك يُفسِدُها.
قالوا: وإذا كانت العِلَّةُ شأنَ إصلاح الصلاةِ، فالمنفردُ قد شمِلتْه تلكَ العِلَّةُ، فلا يَخرُجُ عنها.
قالوا: وقد تكلَّم النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابُه يومَ ذي اليدَينِ في شأنِ الصلاةِ، وبنَوا على ما صلَّوا، ولو كان بينَ المنفردِ والجماعةِ فرقٌ لبَيَّنَه رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولقال: إنما هذا لمن كان مع إمامِه خاصةً دونَ المنفرِدِ. ولمَا سكَتَ عن ذلك لو اختلَف حُكمُه، واللَّهُ أعلم.