للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال أبو عُمر: من حُجَّةِ مَن ذهَب إلى الوجْهِ الأولِ، ممنْ يقولُ بقولِ ابنِ القاسم في هذا البابِ، أنَّ النهيَ عن الكلام في الصلاةِ على ما ورَد في حديثِ ابنِ مسعودٍ (١) وغيرِه، إنما خَرَجَ على ردِّ السلام في الصلاةِ، وعلى مجُاوبةِ مَن جاءَ فسألَ: بكمْ سُبِقَ من الصلاةِ؟ وعلى مَن عرَضَتْ له حاجةٌ فأمَر بها وهو في صلاةٍ، وقد كان في مندوحةٍ عن ذلك حتى يَفرُغَ من صلاتِه، فعلى هذا خَرَجَ النهيُ عن الكلام في الصلاةِ وجاءَ خبرُ ذي اليدين بجوازِ الكلام في إصلاح الصلاةِ إذا لم يُوجدْ بُد من الكلام، فوجَب استعمالُ الأخبارِ كلِّها، وإلَّا يَسقُطْ بعضها ببعضٍ، ولا سبيلَ إلى ذلك إلّا بهذا التخريج والتوجيهِ، واللَّهُ أعلم.

وهذا ليس للمنفردِ؛ لأنَّ المنفردَ قد أُمرَ بالبناءِ على يقينِه، فكان له في ذلك مندوحةٌ عن الكلام؛ لأنَّ الكلامَ إنما جازَ فيما لا يُوجَدُ منه مندوحةٌ، واللَّهُ أعلم.

فهذا ما لمالكٍ وأصحابِه في روالة ابنِ القاسم وغيرِه في مسألةِ ذِي اليدين. وأمَّا سائرُ العلماءِ فنحنُ نذكرُ ما صحَّ في ذلك عندَنا عنهم أيضًا بعونِ اللَّه.

أمَّا أحمدُ بنُ حنبلٍ فذكَر الأثْرَمُ عنه أنَّه قال: ما تكلَّم به الإنسانُ في صلاتِه لإصلاحِها لم تَفسُدْ عليه صلاتُه، فإنْ تكلَّم بغيرِ ذلك فسَدتْ عليه (٢).

وقال في موضع آخرَ: سمِعتُ أحمدَ بنَ حنبلٍ يقولُ في قصةِ ذِي اليدين: إنما تكلَّم ذُو اليدين وهو يرَى أنَّ الصلاةَ قد قَصُرَتْ، وتكلَّم النبيُّ عليه السلامُ وهو دافع لقولِ ذي اليدين، فكلَّم القومَ فأجابُوه؛ لأنَّه كان عليهم أن يُجيبُوه (٣).


(١) سيأتي بإسناد المصنِّف مع تخريجه.
(٢) ومثل ذلك روى عنه ابنه عبد اللَّه في مسائله ص ١٠١ (٣٦٠) و (٣٦٤). وإسحاق بن منصور الكوسج في مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهوية ٢/ ٦٢٢ - ٦٢٤ (٢٧١).
(٣) وهذا القول نقله عنه إسحاق بن منصور الكوسج في مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهوية ٢/ ٦٢٢ - ٦٢٤ (٢٧١)، وينظر: المغني لابن قدامة/ ط مكتبة القاهرة ٢/ ٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>