للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفيه: إباحةُ مُناظرةِ الصَّغِيرِ للكبِيرِ، والأصْغَرِ للأسنِّ، إذا كان ذلك طلبًا للازْدِياد من العِلم، وتَقريرِ الحقِّ وابتِغائِهِ (١).

وفَيه: الأصلُ الجَسِيمُ الذي أجمعَ عليه أهلُ الحقِّ. وهُو أنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ قد فرَغَ من أعمالِ العِبادِ، فكلٌّ يجرِي فيما قُدِّر لهُ، وسبَقَ في عِلم اللَّه تبارَكَ اسمُهُ.

وأمّا قولُهُ: "أفَتَلُومُني على أمرٍ قد قُدِّرَ عليَّ؟ " فهذا عِندِي مخصُوصٌ به آدمُ؛ لأنَّ ذلك إنَّما كان منهُ ومن موسى عليهما السَّلامُ، بعدَ أن تِيبَ على آدمُ، وبعدَ أن تَلقَّى من ربِّهِ كلِماتٍ تابَ بها عليه، فحسُنَ منهُ أن يقولَ ذلك لموسى؛ لأنَّهُ قد كان تِيبَ عليه من ذلك الذَّنبِ.

وهذا غيرُ جائِزٍ أن يقولَهُ اليومَ أحدٌ، إذا أتى ما نهاهُ اللَّهُ عنهُ (٢)، ويحتجُّ بمِثلِ هذا، فيقولُ: أتلُومُني على أن قتلتُ، أو زنيتُ، أو سرقتُ، وذلك قد سبقَ في عِلم اللَّه، وقدَّرهُ عليَّ قبل أن أُخلقَ؟ هذا ما لا يسُوغُ لأحدٍ أن يقولهُ، وقدِ اجتمعتِ الأُمَّةُ أنَّ من أتى ما يستحِقُّ الذَّمَّ عليه، فلا بأسَ بذمِّهِ، ولا حرجَ في لَومِهِ، ومن أتى ما يُحمدُ لهُ، فلا بأسَ بمَدحِهِ عليه وحمدِهِ.

وقد حَكى مالكٌ، عن يحيى بنِ سعِيدٍ، مَعنَى ما ذكَرْنا: أنَّ ذلك إنَّما كان من آدمَ عليه السَّلامُ، بعدَ أن تِيبَ عليه، ذكَرهُ ابنُ وَهْبٍ، عن مالكٍ.

وهذا صحِيحٌ؛ لأنَّ رُوحَهُ لم تجتمِعْ برُوح موسى، ولم يَلْتقِيا، واللَّه أعلمُ، إلّا بعدَ الوَفاةِ، وبعدَ رَفْع أرواحِهِما في عِلِّيِّين، فكان التِقاؤُهُما كنحوِ الْتِقاءِ نبِيِّنا -صلى اللَّه عليه وسلم- بمَنْ لَقِيهُ في المِعراج من الأنبِياءِ، على ما جاءَ في الأثرِ الصَّحِيح، وإن كان ذلك عِندِي لا يحتمِلُ تَكْيِيفًا، وإنَّما فيه التَّسلِيمُ؛ لأنّا لم نُؤتَ من جِنسِ هذا العِلم إلّا قَليلًا.


(١) في م: "وتقريرًا للحق وابتغاء له"، والمثبت من الأصل وغيره.
(٢) "عنه" لم ترد في الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>