للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَسْكنةً من الطَّوّافِ، وهُو الذي لا يجِدُ غِنًى، ولا يسألُ، ولا يُفطَنُ لهُ فيُتصدَّق عليه.

هذا وجهُ قولِهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ليس المِسكِينُ بالطَّوّافِ". لا وجهَ لهُ غيرُ ذلك؛ لأنَّهُ معلُومٌ أنَّ الطَّوّافَ مِسكِينٌ، وذلك موجُودٌ في الآثارِ، ومعرُوفٌ في اللُّغةِ، ألا ترى إلى قولِهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "رُدُّوا المِسكِينَ ولو بظِلفٍ مُحْرَقٍ". هكذا رواهُ مالكٌ (١)، عن زيدِ بنِ أسلمَ، عنِ ابنِ بُجيدٍ، عن جَدَّتِهِ، عنِ النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-.

وقولُ عائشةَ: إنَّ المِسكِينَ ليَقِفُ على بابي. . . الحَدِيثَ (٢). فقد سَمَّتهُ مِسكِينًا، وهُو طوّافٌ على الأبوابِ، وقد جعلَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ الصَّدقاتِ للفُقراءِ والمساكِينِ.

وأجمعُوا أنَّ السّائلَ الطَّوّافَ المُحتاجَ: مِسكِينٌ، وفي هذا كلِّهِ ما يدُلُّك على ما وصَفْنا، وباللَّه توفيقُنا.

واختلَفَ العُلماءُ وأهلُ اللُّغةِ في المِسكِينِ والفَقِيرِ، فقال منهُم قائلونَ: الفقِيرُ أحسنُ حالًا من المِسكِينِ. قالوا: والفقِيرُ: الذي لهُ بَعضُ ما يُقِيمُهُ ويكفيه (٣)، والمِسكِينُ الذي لا شيءَ لهُ، واحتجُّوا بقولِ الرّاعِي (٤):

أمّا الفَقِيرُ الذي كانت حَلُوبتُهُ ... وَفْقَ العِيالِ فلم يُترَكْ لهُ سبَدُ

قالوا: ألا ترى أنَّهُ قد أخبَر أنَّ لهذا الفقِيرِ حَلُوبةً.


(١) أخرجه في الموطأ ٢/ ٥١١ (٢٦٧٣).
(٢) سلف بإسناده في شرح الحديث الثالث والعشرين لزيد بن أسلم، وهو في الموطأ ٢/ ٥١١ (٢٦٧٣) من قول أم بجيد، لا من قول عائشة. وانظر تخريجه هناك.
(٣) في ي ١: "ويكفه".
(٤) انظر: ديوانه، ص ٩٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>