للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقتَ العملِ، لم يُرْتَهَن بشيءٍ، وقال اللَّهُ عزَّ وجلَّ: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: ١٥].

ولمّا أجمعُوا على دَفع القَوَدِ، والقِصاصِ، والحُدُودِ، والآثام عنهُم في دارِ الدُّنيا، كانتِ الآخِرةُ أولى بذلك، واللَّه أعلمُ.

وأمّا قولُهُ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "كما تُناتجُ الإبِلُ من بَهِيمةٍ جَمعاءَ، هل تُحِسُّ من جَدْعاءَ؟ "، فالبَهِيمةُ الجَمعاءُ: المُجتمِعةُ الخَلْقِ، التّامَّةُ غيرُ النّاقِصةِ، الصَّحِيحةُ غيرُ السَّقِيمةِ، ليس فيها قَطع أُذُنٍ، ولا شَقُّها، ولا نقصُ شيءٍ مِنها، يقولُ: "فهل تَرَى فيها جَدْعاءَ؟ "، يقولُ: هل تُحِسُّ من جَدْع أو نُقصانٍ حِين تُنتَجُ لتمام؟ يقولُ: ثُمَّ الجَدْعُ والآفاتُ تدخُلُها بعد ذلك، فكذلك المولُودُ يُولَدُ سالمًا، ثُمَّ يحدُثُ فيه -بعدُ- الكُفرُ والإيمانُ.

وقال آخرُونَ: الفِطْرةُ هاهُنا الإسلامُ، قالوا: وهُو المعرُوفُ عِندَ عامَّةِ السَّلفِ من أهلِ العِلم بالتَّأوِيلِ، قد أجمعُوا في قولِ اللَّه عزَّ وجلَّ: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: ٣٠] على أن قالوا: فِطرةُ اللَّه: دِينُ اللَّه الإسلامُ، واحتجُّوا بقولِ أبي هريرةَ في هذا الحديثِ: اقْرؤُوا إن شِئتُم: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا}.

وذَكرُوا عن عِكْرِمةَ ومُجاهِدٍ والحَسَنِ وإبراهيمَ والضَّحّاكِ وقَتادةَ في قولِ اللَّه عزَّ وجلَّ: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} قالوا: دِينُ اللَّه الإسلامُ، {لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [الروم: ٣٠] قالوا: لدِينِ اللَّه (١).

واحتجُّوا بحديثِ محمدِ بنِ إسحاقَ، عن ثَوْرِ بنِ يزِيد، عن يحيى بنِ جابرٍ، عن عبدِ الرَّحمنِ بنِ عائذٍ الأزْدِيِّ، عن عِياضِ بنِ حِمارٍ المُجاشِعِيِّ، أنَّ رسُولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال للنّاسِ يومًا: "ألا أُحدِّثُكُم بما حَدَّثني اللَّهُ في الكِتابِ: إنَّ اللَّهَ خلَقَ آدمَ وبنِيهِ حُنَفاءَ مُسلِمِينَ. . . " الحديثَ بطُولِهِ.


(١) انظر: تفسير عبد الرزاق ٢/ ١٠٢ - ١٠٣، وتفسير الطبري ٩/ ٢١٦ - ٢١٧، ٢٢٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>