للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويُقالُ: إنَّما سُمِّي إبراهيمُ حنِيفًا، لأنَّهُ كان حنَفَ عمّا كان يعبُدُ أبوهُ وقومُهُ من الآلهِةِ إلى عِبادةِ اللَّه، أي: عدَلَ عن ذلك ومالَ، وأصلُ الحنَفِ: ميلٌ من إبهامَيِ القَدَمينِ، كلُّ واحِدةٍ منهُما على صاحِبتها.

ومِمّا احتجَّ به (١) من ذهَبَ إلى أنَّ الفِطْرةَ الإسلامُ، قولُهُ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "خَمْسٌ من الفِطْرةِ" (٢)، فذكرَ منهُنَّ: قصَّ الشّارِبِ، والاخْتِتانَ، وهي من سُننِ الإسلام.

وممَّن ذهَبَ إلى أنَّ الفِطرةَ في معنَى هذا الحديثِ الإسلامُ: أبو هريرةَ، وابنُ شِهاب (٣).

حدَّثني محمدُ بن عبدِ اللَّه بنِ حَكَم، قال: حدَّثنا محمدُ بن مُعاوِيةَ، قال: حدَّثنا إسحاقُ بن أبي حسّانَ، قال: حدَّثنا هشامُ بن عمّارٍ، قال: حدَّثنا عبدُ الحمِيدِ بن حبِيبٍ، قال: حدَّثنا الأوزاعِيُّ، قال: سألتُ الزُّهْرِيَّ عن رجُلٍ عليه رَقَبةٌ مُؤمِنةٌ: أيُجزِئُ عنهُ الصَّبِيُّ أن يُعتِقَهُ وهُو رضِيعٌ؟ قال: نعم؛ لأنَّهُ وُلِدَ على الفِطْرةِ. يعني الإسلامَ.

وعلى هذا القولِ يكونُ معنى قولِهِ في الحديثِ: "من بَهِيمةٍ جَمعاءَ، هل تُحِسُّ من جَدعاءَ؟ "، يقولُ: خُلِقَ الطِّفلُ سلِيمًا من الكُفرِ، مُؤمِنًا مُسلِمًا، على المِيثاقِ الذي أخذهُ اللَّه على ذُرِّيَّةِ آدمَ حِينَ أخرَجهُم من صُلبه، وأشْهَدهُم على أنفُسِهِم: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف: ١٧٢].

قال أبو عُمر: يستحِيلُ أن تكونَ الفِطرةُ المذكُورةُ في قولِ النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "كلُّ مولُودٍ يُولَدُ على الفِطرةِ" الإسلامَ؛ لأنَّ الإسلامَ والإيمانَ: قولٌ باللِّسانِ، واعتِقادٌ


(١) هذا الحرف سقط من م.
(٢) أخرجه مالك في الموطأ ٢/ ٥٠٦ (٢٦٦٧) من حديث أبي هريرة موقوفًا، وانظر تخريج طرقه في شرح هذا الحديث.
(٣) انظر: صحيح البخاري (١٣٥٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>