للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالقلبِ، وعَملٌ بالجَوارِح، وهذا مَعدُومٌ من الطِّفلِ، لا يجهلُ ذلك ذو عَقلٍ، والفِطرةُ لها مَعانٍ ووُجُوهٌ في كلام العربِ. وإنَّما أجْزَأ الطِّفلُ المُرضَعُ عِندَ من أجازَ عِتقهُ في الرِّقابِ الواجِبةِ، لأنَّ حُكمَهُ حُكمُ أبوَيهِ.

وخالَفهُم آخرُونَ فقالوا: لا يُجزِئُ في الرِّقابِ الواجِبةِ، إلّا من صامَ وصلَّى. وقد مَضَى في هذا البابِ من هذا المعنى ما يَكْفِي، والحمدُ للَّه.

وقال آخرُونَ: معنى قولِهِ عليه السَّلامُ: "كلُّ مولُودٍ يُولَدُ على الفِطرةِ" يعني على البَدْأةِ التي ابتَدَأهُم عليها، أي: على ما فطَرَ اللَّهُ عليه خَلْقَهُ، من أَنَّه (١) ابتَدَأهُم للحياةِ والموتِ والشَّقاءِ والسَّعادةِ وإلى ما يَصِيرُونَ إليه عِندَ البُلُوغِ، من قَبُولِهِم (٢) عن آبائهِم (٣) واعتِقادِهِم، وذلك ما فطَرهُمُ اللَّهُ عليه، مِمّا لا بُدَّ من مَصِيرِهِم إلَيهِ. قالوا: والفِطرةُ في كلام العَرَبِ البَدْأةُ، والفاطِرُ: المُبدِئُ والمُبتدِئُ، فكأنَّهُ قال -صلى اللَّه عليه وسلم-: كلُّ مولُودٍ يُولَدُ على ما ابتدَأهُ اللَّهُ عليه من الشَّقاءِ والسَّعادةِ، مِمّا يصِيرُ إليه.

واحتَجُّوا بما حدَّثناهُ عبدُ الوارثِ بن سُفيانَ، قال: حدَّثنا قاسمُ بن أصبغَ، قال: حدَّثنا محمدُ بن عبدِ السَّلام الخُشنيُّ، قال: حدَّثنا محمدُ بن بشّارٍ، قال: حدَّثنا يحيى بن سعِيدٍ، قال: حدَّثنا سفيانُ، عن إبراهيمَ بنِ مُهاجِرٍ، عن مُجاهِدٍ، عنِ ابنِ عبّاسٍ، قال: لم أكُن أدْرِي ما {فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الشورى: ١١]، حتّى أتى أعرابِيّانِ يَخْتصِمانِ في بئرٍ، قال أحدُهُما: أنا فطَرتُها. أيِ: ابْتَدأتُها (٤).


(١) في د ٢، م: "أنهم".
(٢) في م: "ميولهم".
(٣) في د ٢: "على إيمانهم" بدل: "عن آبائهم".
(٤) أخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن، ص ٢٠٦، والطبري في تفسيره ١١/ ٢٨٣ (١٣١١١)، والبيهقي في شعب الإيمان (١٦٨٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>