للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالوا: فالفِطرةُ: البَدْأةُ، واحتجُّوا بقولِ اللَّه عزَّ وجلَّ: {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (٢٩) فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ} [الأعراف: ٢٩ - ٣٠]. وذكُروا ما يُروى عن عليِّ بنِ أبي طالِبٍ في بعضِ دُعائهِ: اللَّهُمَّ جبارَ القُلُوبِ على فِطْرتِها، شَقِيِّها وسَعِيدِها (١).

قال أبو عبدِ اللَّه محمد بن نَصرٍ المروزِيُّ: وهذا المذهبُ شَبِيهٌ بما (٢) حَكاهُ أبو عُبيدٍ، عن عبدِ اللَّه بنِ المُباركِ، أنَّهُ سُئلَ عن قولِ النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "كلُّ مولُودٍ يُولَدُ على الفِطْرةِ"، فقال: يفسِّرُه الحديثُ الآخرُ، حِين سُئلَ عن أطفالِ المُشرِكينَ، فقال: "اللَّهُ أعلمُ بما كانوا عامِلِين" (٣).

قال المروزِيُّ: وقد كان أحمدُ بن حنبلٍ يذهَبُ إلى هذا القولِ، ثُمَّ تركهُ.

قال أبو عُمر: ما رَسَمهُ مالكٌ في "المُوطَّأ" وذكرهُ في أبوابِ القَدَرِ، فيه من الآثارِ ما يدُلُّ على أنَّ مذهبَهُ في ذلك نحوُ هذا، واللَّه أعلمُ.

أخبَرنا عبدُ الوارثِ بن سُفيانَ، قال: حدَّثنا قاسمُ بن أصبغَ، قال: حدَّثنا محمدُ بن الجهم، قال: حدَّثنا رَوْحُ بن عُبادةَ، قال: حدَّثنا موسى بن عُبيدةَ، قال: سمِعتُ محمد بن كَعْبٍ القُرَظِيَّ، في قولِهِ عزَّ وجلَّ: {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (٢٩) فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ} [الأعراف: ٢٩ - ٣٠]، قال: منِ ابتدأ اللَّهُ خلقَهُ للضَّلالةِ، صيَّرهُ إلى الضَّلالةِ، وإن عمِلَ بأعمالِ الهُدى، ومنِ ابتدَأ اللَّهُ خلقَهُ على الهُدى، صَيَّرهُ اللَّهُ إلى الهُدى، وإن عملَ بأعمالِ الضَّلالةِ، ابتَدَأ خلقَ إبلِيسَ على الضَّلالةِ، وعمِلَ بعمَلِ السَّعادةِ مع الملائكةِ، ثُمَّ رَدَّهُ اللَّهُ إلى ما ابتَدَأ اللَّهُ عليه خلقهُ من


(١) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنَّف (٣٠١٣٤)، وإسناده ضعيف لجهالة راويه عن عليّ رضي اللَّه عنه.
(٢) في د ٢: "شبهه ما" بدل: "شبيه بما".
(٣) سلف تخريحه قريبًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>