للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو عُمر: ليس في قولِهِ: {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ}. ولا في: أن (١) يختِمَ اللَّهُ للعبدِ بما قَضاهُ لهُ وقدَّرهُ عليه، حِينَ أخرجَ ذرِّيَّةَ آدمَ من ظهرِهِ، دليلٌ على أنَّ الطِّفلَ يُولَدُ حِينَ يُولدُ مُؤمِنًا أو كافِرًا، لما شهِدَتْ به العُقُولُ، أَنَّهُ في ذلك الوَقتِ ليس ممَّن يَعْقِلُ إيمانًا ولا كُفرًا.

والحديثُ الذي جاءَ فيه أنَّ النّاس خُلِقُوا طَبَقاتٍ، فمنهُم من يُولَدُ مُؤمِنًا، ومنهُم من يُولَدُ كافِرًا، على حسَبِ ما تقدَّم ذِكرُهُ في هذا الباب (٢)، ليس من الأحادِيثِ التي لا مَطعنَ فيها؛ لأنَّهُ انفردَ به عليُّ بن زيدِ بنِ جُدعانَ، وقد كان شُعبةُ يتكلَّمُ فيه، على أنَّهُ يحتملُ قولُهُ: "يُولَدُ مُؤمِنًا": يُولَدُ ليكون مُؤمِنًا، ويُولَدُ ليكونَ كافِرًا، على سابِقِ عِلم اللَّه (٣) فيه.

وليس في قَولِهِ في الحديثِ: "خَلَقتُ هؤلاءِ للجنّةِ، وخلقتُ هؤلاءِ للنّارِ" أكثرُ من مُراعاةِ ما يُختمُ به لهم، لا أنَّهُم في حِينِ طُفُولتِهِم ممَّن يستحِقُّ جنّةً أو نارًا، أو يَعقِلُ كُفرًا أو إيمانًا. وقد أوضَحْنا الحُجَّةَ في هذا لمن أُلهم رُشدَهُ فيما تقدَّم، والحمدُ للَّه، وفي اختِلافِ السَّلفِ، واختِلافِ ما رُوِي من الآثارِ في الأطفالِ، ما يُبيِّنُ لك ما قُلنا إن شاءَ اللَّه.

وقال آخرُونَ: معنى قولِهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "كلُّ مولُودٍ يُولَدُ على الفِطرةِ": أنَّ اللَّهَ قد فطرَهُم على الإنكارِ والمعرِفةِ، وعلى الكُفرِ والإيمانِ، فأخذَ من ذُرِّيَّةِ آدمَ المِيثاقَ حِين خلَقهُم، فقال: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} [الأعراف: ١٧٢] قالوا جميعًا: {بَلَى} فأمّا أهلُ السَّعادة فقالوا: {بَلَى} على مَعرِفةٍ لهُ، طوعًا من قُلُوبهم، وأمّا أهلُ الشَّقاءِ، فقالوا: {بَلَى} كُرهًا، لا طوعًا.


(١) في م: "لن".
(٢) في الأصل، م: "الكتاب". والحديث سلف تخريجه في هذا الباب، من حديث أبي سعيد.
(٣) في د ٢: "العلم عند اللَّه" بدل: "علم اللَّه".

<<  <  ج: ص:  >  >>