للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الظّاهِرُ ما قال موسى: {أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً} (١) [الكهف: ٧٤]، فأعلَمَ اللَّهُ الخَضِرُ ما كان الغُلامُ عليه في الفِطرةِ التي فطرهُ عليها؛ لأنَّهُ كان قد طُبِعَ يومَ طُبِعَ كافِرًا.

قال إسحاقُ: وأخبَرنا سُفيانُ، عن عَمرٍو، عن سعِيدِ بنِ جُبيرٍ، عنِ ابنِ عبّاسٍ، أنَّهُ كان يقرأُ: "وأمّا الغُلامُ فكان كافِرًا وكان أبواهُ مُؤمِنينِ (٢) " (٣).

قال إسحاقُ: فلو تركَ النَّبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- النّاسَ ولم يُبيِّن لهم حُكمَ الأطفالِ، لم يَعرِفُوا المُؤمِنِين منهُم منِ الكافِرِينَ؛ لأنَّهُم لا يدرُونَ ما جُبِل كلُّ واحِدٍ منهُم عليه، حِين أُخرِج من ظَهرِ آدمَ. فبيَّنَ لهمُ النَّبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- حُكمَ الطِّفلِ في الدُّنيا، فقال: "أبواهُ يُهوِّدانِهِ، ويُنصِّرانِهِ، ويُمَجِّسانِهِ". يقولُ: أنتُم لا تعرِفُونَ ما طُبِع عليه في الفِطرةِ الأُولى، ولكنَّ حُكمَ الطِّفلِ في الدُّنيا، حُكمُ أبوَيهِ، فاعرفُوا ذلك بالأبوَينِ، فمن كان صغيرًا بينَ أبوينِ له كافِرينِ أُلحِق بحُكمِهِما، ومن كان صغِيرًا بين أبوينِ مُسلِمينِ أُلحِق بحُكمِهِما، وأمّا إيمانُ ذلك وكُفرُهُ مِمّا يصِيرُ إليه، فعِلمُ ذلك إلى اللَّه، وبعلم (٤) ذلك فضَلَ الخَضِرُ موسى، إذ أطلَعهُ اللَّهُ عليه في ذلك الغُلام، وخصَّهُ بذلك العِلم.

قال أبو عُمر: ما بيَّنَ رسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لأحَدٍ من أُمَّتِهِ حُكمَ الأطفالِ الذين يمُوتُونَ صِغارًا بيانًا يَقْطعُ بمَجيئهِ (٥) العُذرَ، بلِ اختلفتِ الآثارُ عنهُ في ذلك، بما سنُورِدُهُ بعدَ هذا إن شاءَ اللَّه.


(١) في الأصل، م: "زاكية". وهما قراءتان متواترتان. انظر: النشر في القراءات ٢/ ٢٣٥.
(٢) هي قراءة شاذة، ونص الآية في التلاوة: {وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا} [الكهف: ٨٠].
(٣) أخرجه مسلم بإثر (٢٣٨٠) (١٧٠) من طريق إسحاقَ، به. وأخرجه البخاري بإثر (٣٤٠١، ٤٧٢٥)، وأبو داود (٤٧٠٦)، وأبو عوانة (٥٥٩٠)، وابن حبان ١٤/ ١٠٤ (٦٢٢٠) من طريق سفيان، به.
(٤) في م: "ويعلم".
(٥) في د ٢: "بحجته"، وفي م: "حجة".

<<  <  ج: ص:  >  >>