للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال آخرُونَ: معنَى الفِطْرةِ المذكُورةِ في المولُودِينَ، ما أخذَ اللَّهُ من ذُرِّيَّةِ آدمَ من المِيثاقِ قبلَ أن يخرجُوا إلى الدُّنيا، يوم استخرجَ ذرِّيَّةَ آدمَ من ظهرِهِ فخاطبهُم: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} فأقرُّوا جميعًا لهُ بالرُّبُوبيَّةِ عن مَعرِفةٍ منهُم به، ثُمَّ أخرَجهُم من أصلابِ آبائهِم مخلُوقِينَ، مَطبُوعِينَ على تلك المعرِفةِ وذلك الإقرارِ.

قالوا: وليست تلك المعرِفةُ بإيمانٍ، ولا ذلك الإقرارُ بإيمانٍ، ولكنَّهُ إقرار من الطَّبِيعةِ للرَّبِّ، فِطْرةٌ ألزمها قُلُوبَهُم، ثُمَّ أرسلَ إليهمُ الرُّسُلَ فدعَوْهُم إلى الاعتِرافِ لهُ بالرُّبُوبيَّةِ والخُضُوع، تَصدِيقًا بما جاءَت به الرُّسُلُ، فمنهُم من أنكرَ وجحَدَ بعد المعرِفةِ، وهُو به عارِفٌ، لأنَّهُ لم يكُنِ اللَّهُ ليدعُوَ خلقهُ إلى الإيمانِ به وهُو لم يُعرِّفْهُم نفسهُ، لأنه كان يكونُ حِينئذٍ قد كلَّفهُمُ الإيمان بما لا يعرِفُونَ، قالوا: وتصدِيقُ ذلك قولُهُ عزَّ وجلَّ: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [الزخرف: ٨٧]، وذكرُوا ما ذكرهُ السُّدِّيُّ عن أصحابه، وعن أبي صالح، عنِ ابنِ عبّاسٍ، وعن مُرَّةَ، عنِ ابنِ مسعُودٍ (١) على حسَبِ ما ذكرناهُ قبلَ هذا، في قولِ اللَّه عزَّ وجلَّ: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ (٢)} الآيةَ [الأعراف: ١٧٢].

وذكرُوا أيضًا ما حدَّثناهُ إبراهيمُ بن شاكِرٍ، قال: حدَّثنا عبدُ اللَّه بن عُثمانَ، قال: حدَّثنا سعِيدُ بن عُثمانَ، قال: حدَّثنا أحمدُ بن عبدِ اللَّه بنِ صالح، قال: حدَّثنا عُبيدُ اللَّه بن موسى، قال: حدَّثنا أبو جَعْفرٍ الرّازِيُّ، عنِ الرَّبِيع بنِ أنَسٍ، عن أبي العالِيةِ، عن أُبيِّ بنِ كَعْبٍ، في قولِ اللَّه عزَّ وجلَّ: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} إلى قولِهِ: {أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ} [الأعراف: ١٧٢ - ١٧٣]. قال: جَمعهُم جميعًا، فجَعَلهم أرواحًا، ثُمَّ صوَّرهُم، ثُمَّ اسْتَنطقهُم، فقال: ألستُ بربِّكُم؟


(١) سلف تخريجه قريبًا.
(٢) تقدم قبل قليل التعليق عليها.

<<  <  ج: ص:  >  >>