للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ تابَعهُم بحُجَّةِ العَقلِ عِندَ التَّميِيزِ، وبالرُّسُلِ بعد ذلك، استِظهارًا بما في عُقُولِهِم من المُنازعةِ إلى خالِقٍ مُدبِّرٍ حكِيم يُدبِّرُهُم بما لا يتهيَّأُ لهم، ولا يُمكِنُهُم جَحدُهُ. وهذا إجماعُ أهلِ السُّنَّةِ، والحمدُ للَّه.

وإنَّما اختلفُوا فيمَنْ مات وهُو طِفل لم يُدرِك، من أولادِ المُؤمِنِينَ والكافِرِينَ، على ما نُوضِّحُهُ بعد الفراغِ من القولِ في الفِطرةِ التي يُولدُ المولُودُ عليها، واختِلافِ أهلِ العِلم في معناها إن شاءَ اللَّه.

وأمّا الغُلامُ الذي قتَلهُ الخضِرُ، فأبواهُ مُؤمِنانِ، لا شكَّ في ذلك، فإن كان طِفلًا، ولم يكُن كما قال بعضُ أهلِ العِلم رَجُلًا قاطِعًا للسَّبِيلِ، فمعلُومٌ أنَ شَرِيعتَنا ورَدَت بأنَّ كلَّ أبوينِ مُؤمِنينِ، لا يُحكَمُ لطِفلِهِما الصغِيرِ بحالِ الكُفرِ، ولا يحِلُّ قَتلُهُ بإجماع، وكَفَى بهذا حُجَّةً في تخصِيصِ غُلام الخَضِرِ.

وقد أجمعَ المُسلِمُونَ من أهلِ السُّنَّةِ وغيرِهِم، إلّا المُجبِرةَ (١)، أنَّ أولادَ المُؤمِنِينَ في الجنّةِ، فكيفَ يجُوزُ الاحتِجاجُ بقِصَّةِ الغُلام الذي قتَلهُ الخضِرُ اليومَ في هذا البابِ؟

وأمّا حديثُ عائشةَ الذي احتجَّ به إسحاقُ، فإنَّهُ حَدِيثٌ ضعِيفٌ، انفردَ به طلحةُ بن يحيى، فأنكَرُوهُ عليه، وضعَّفُوهُ من أجلِهِ، وقد بيَّنتُ ذلك في بابِ ابنِ شِهابٍ، عن سعِيدِ بنِ المُسيِّبِ.

وقولُ إسحاق في هذا البابِ، لا يرضاهُ الحُذّاقُ الفُقهاءُ (٢) من أهلِ السُّنَّةِ، وإنَّما هُو قولُ المُجبِرةِ، وفيما مَضَى كِفايةٌ، والحمدُ للَّه.


(١) المُجبِرةَ: هم الجبرية، طائفة ممن يقولون بالقدر، والجبر هو نفي الفعل حقيقة عن العبد، وإضافته الى الرب تعالى. انظر: الملل والنحل للشهرستاني ١/ ٨٥.
(٢) في د ٢: "الفهماء". وفي م: "الفقهة".

<<  <  ج: ص:  >  >>