للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمّا أهلُ البِدَع، فمُنكِرُونَ لكلِّ ما قالهُ العُلماءُ في تأوِيلِ قولِ اللَّه عزَّ وجلَّ: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} الآيةَ.

قالوا: ما أخذَ اللَّهُ من آدمَ ولا من ذُرِّيَّتِهِ مِيثاقًا قطُّ قبلَ خَلْقِهِ إيّاهُم، وما خَلَقهُم قَطُّ إلّا في بُطُونِ أُمَّهاتِهِم، وما استخرَجَ قطُّ من ظَهرِ آدمَ من ذُرِّيَّةٍ تُخاطَبُ، ولو كان ذلك لأحياهُم ثلاث مرّاتٍ، والقُرآنُ قد نطقَ على أهلِ النّارِ بأنَّهُم قالوا ما لم يرُدَّهُ عزَّ وجلَّ عليهم من قولِهِم: {قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ} [غافر: ١١].

وقال عزَّ وجلَّ تصدِيقًا لذلك: {وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا} يعني: في حالِ عدم غيرِ وُجُودٍ، {فَأَحْيَاكُمْ} يُرِيدُ بخلقِهِ إيِّاكُم، {ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} [البقرة: ٢٨]، فجعلَ الحياةَ مرَّتينِ والموتَ مرَّتينِ.

قالوا: وكيفَ يُخاطِبُ اللَّهُ من لا يَعقِلُ؟ وكيفَ يُجِيبُ من لا عقلَ لهُ؟ أو كيف يحتجُّ عليهم بمِيثاقٍ لا يَذكُرُونهُ؟ وهُم لا يُؤاخَذُونَ بما نَسُوا، ولا نَجِدُ أحدًا يَذكُرُ أنَّ ذلك عرضَ لهُ، أو كان منهُ.

قالوا: وإنَّما أرادَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ بقولِهِ: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} الآيةَ، إخراجَهُ إيّاهُم في الدُّنيا، وخلقَهُ لهم، وإقامَةَ الحُجَّةِ عليهم، بأن فطَرهُم وبناهُم (١)، فِطرةً إذا بلغُوا وعَقَلوا، عَلِمُوا أنَّ اللَّهَ ربَّهُم، وخالِقُهُم.

وقال بعضُهُم: أخرجَ الذُّرِّيَّةَ قرنًا بعد قرنٍ، وعصرًا بعد عَصرٍ، وأشْهَدهُم على أنفُسِهِم بما جعلَ في عُقُولِهِم مِمّا تُنازِعُهُم به أنفُسُهم إلى الإقرارِ بالرُّبُوبيَّةِ، حتّى صارُوا بمَنزِلةِ من قِيل لهم: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى}.

قال بعضُهُم: قال لهم: ألستُ بربِّكُمْ، على لسانِ بَعضِ أنبِيائهِ.


(١) في ي: "دنياهم"، وفي د ٢: "ونبأهم".

<<  <  ج: ص:  >  >>