للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمّا قولُهُ: "لا تناجشُوا". فقد مَضَى القولُ في معناهُ، عِند ذِكرِ حديثِ مالكٍ، عن نافِع، عنِ ابنِ عُمرَ، عنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أنَّهُ نَهَى عنِ النَّجْشِ (١).

ولا تختلِفُ الفُقهاءُ، أنَّ المُناجشةَ معناها: أن يَدُسَّ الرَّجُلُ إلى الرَّجُلِ ليُعطِي بسِلعتِهِ عَطاءً، وهُو لا يُرِيدُ شِراءَها، ليَغْتَرَّ (٢) به من أرادَ شِراءَها من النّاسِ، أو يفعل ذلك هُو بنفسِهِ في سِلْعتِهِ، إذا لم يعلم أنَّها لهُ.

واختَلفُوا في هذا البيع، فقال مالكٌ: منِ اشْتَرى سِلْعةً منجُوشةً، فهُو بالخِيارِ إذا علِمَ، وهُو عَيْبٌ من العُيُوبِ (٣).

وهذا تحصِيلُ مذهبِ مالكٍ عِند المِصرِيِّينَ (٤) والعِراقِيِّينَ من أصحابه، ذكر ذلك ابنُ خُوَيْزمَنْداد وغيرُهُ عن مالكٍ.

وقال الشّافِعِيُّ وأبو حنِيفةَ: ذلك مكرُوهٌ، والبيعُ لازِمٌ.

وقال ابنُ حبِيبٍ: من فعلَ ذلك جاهِلًا أو مُجترِئًا، فُسِخَ البيعُ إن أُدرِكَ قبلَ أن يفُوتَ، إلّا أن يُحِبَّ المُشترِي أن يتمسَّكَ بالسِّلعةِ بذلك الثَّمنِ الذي أخذَها (٥) به. قال: فإن فاتَتْ في يَدِهِ، كانت عليه بالقِيمةِ، وذلك إذا كان البائِعُ هُو الذي دسَّهُ، أو كان المُعطِي من سببِ البائِع، وإن لم يكُن شيئًا من ذلك، وكان أجنبِيًّا لا يعرِفُ البائِع، ولا يعرِفُ قِصَّتهُ، فلا شيءَ على البائِع، والبيعُ تامٌّ صحِيحٌ، والفاعِلُ آثِمٌ (٦).

هذا كلُّهُ قولُ ابنِ حبِيب.


(١) أخرجه في الموطأ ٢/ ٢١٧ - ٢١٨ (١٩٩٨).
(٢) في ي ١، م: "ليعتبر".
(٣) انظر: الأوسط لابن المنذر ١٠/ ١٠١، واللباب في الفقه الشافعي لابن المحاملي، ص ٢١٥، واختلاف العلماء لابن هبيرة ١/ ٣٩٨، وبداية المجتهد لابن رشد ٣/ ١٨٥. وانظر فيها ما بعده.
(٤) في د ٢: "البصريين".
(٥) في ي ١، ت: "أخذه".
(٦) انظر: الاستذكار ٦/ ٥٢٨، وبداية المجتهد لابن رشد ٣/ ١٨٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>