للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأجمعَ الفُقهاءُ أيضًا، على أَنَّهُ لا يجُوزُ دُخُولُ المُسلِم على الذِّمِّيِّ في سَوْمِهِ. إلّا الأوزاعِيَّ وحدَهُ، فإنَّهُ قال: لا بأسَ بدُخُولِ المُسلِم على الذِّمِّيِّ في سَومِهِ، لقولِهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لا يبِعْ بعضُكُم على بيع بعضٍ، ولا يَسُمْ (١) على سَوْم أخِيهِ" (٢).

وحُجَّةُ سائِرِ الفُقهاءِ: أنَّ الذِّمِّيَّ لمّا دخلَ في نهيِهِ - صلى الله عليه وسلم - عن بَيع الغررِ، وبَيع ما لم يُقبَض والنَّجشِ ورِبح ما لم يُضمَّن ونحوِ ذلك، كان كذلك في السَّوم على سَوْمِهِ، وإذا أُطلِقَ الكلامُ على المُسلِمِينَ، دخلَ فيه أهلُ الذِّمَّةِ.

والدَّليلُ على ذلك، اتِّفاقُهُم على كَراهِيةِ سَوْم الذِّمِّيِّ على الذِّمِّيِّ، فدلَّ على أنَّهُم مُرادُون.

وكان ابنُ حبِيبٍ يقولُ: إنَّما نُهِي أن يَشْترِي الرَّجُلُ على شِراءِ الرَّجُلِ. وأمّا أن يبِيعَ على بيعِهِ فلا. قال: لأنَّهُ لا يبِيعُ أحدٌ على بيع أحدٍ. قال: وإنَّما هُو أن يَشْترِي مُشترٍ على شِراءِ مُشترٍ. قال: والعربُ تقُولُ: بعتُ الشَّيءَ، في معنى (٣) اشْتَريتُهُ. وأنشدَ أبياتًا في ذلك، وجعلَ البيعَ فيه صحِيحًا، وفاعِلهُ عاصِيًا، أمرهُ بالتَّوبةِ والاستِغفارِ، وأن يعرِضَ السِّلعةَ على أخِيهِ الذي دخلَ فيها عليه، فإن أحبَّها أخذَها.

قال أبو عُمر: لا أدرِي وجهًا لإنكارِهِ أن يُراد بذلك البائعُ (٤)، والعَرَبُ وإن كان يُعرَفُ من لُغتِها أن تقُول: بعتُ، بمعنى اشتريتُ. فالذي هُو أعرَفُ وأشهرُ عنها، أن تقول: بعتُ، بمعنى بعتُ. وأيُّ ضرُورةٍ بنا إلى هذا، والمعنى فيه واضِحٌ على ما قال مالكٌ وغيرُهُ، وباللّه العَونُ والتَّوفيقُ.


(١) في ي ١، د ٢، ت: "يسوم الرجل".
(٢) سلف بإسناده في شرح الحديث الثاني لمحمد بن يحيى بن حبان، وهو في الموطأ ٢/ ٢٧ (١٤٨٩). وانظر تخريجه هناك.
(٣) في ي ١، ت: "بمعنى" بدل: "في معنى".
(٤) في ي ١، ت، م: "البيع".

<<  <  ج: ص:  >  >>