للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد قيلَ: إنَّ ذا اليَدَينِ عُمِّرَ إلى خلافةِ مُعاويةَ، وإنَّه تُوُفِّي بذي خُشُبٍ. فاللَّهُ أعلم.

ولو صحَّ للمخالفين ما ادَّعَوه؛ من نسخ حديثِ أبي هريرةَ بتحريم الكلام في الصلاةِ (١) لم يكنْ لهم في ذلك حُجَّةٌ؛ لأنَّ النهيَ عن الكلام في الصلاةِ إنما توجَّهَ إلى العامدِ القاصدِ، لا إلى الناسِي؛ لأنَّ النسيانَ مُتجاوزٌ عنه، والناسِي والساهِي ليسَا ممَّن دخَل تحتَ النهي لاستحالةِ ذلك في النظر.

فإنْ قيلَ: فإنكم تُجِيزونَ الكلامَ في الصلاةِ عامدًا إذا كان في شأنِ إصلاحِها. قيلَ لقائلِ ذلك: أجَزْنَاه من بابٍ آخرَ قياسًا على ما نُهيَ عنه من التسبيح في غيرِ موضعِه من الصلاةِ، وإباحتُه للتنبيهِ على ما أغفَله المصلِّي من صلاتِه ليستدرِكَه، واستدلالًا بقصةِ ذي اليدين أيضًا في ذلك (٢). واللَّهُ أعلم.

وهذا المعنَى قد نزَع به أبو الفرج وغيرُه من أصحابِنا، وفيما قدَّمْنا كفايةٌ إن شاء اللَّه.

وقد تَدْخُلُ على أبي حنيفةَ وأصحابِه مُناقضةٌ في هذا البابِ؛ لقولِهم: إنَّ المشيَ في الصلاةِ لإصلاحِها عامدًا جائزٌ، كالراعِفِ -ومَن يجري مجرَاه عندَهم- للضَّرورر إلى خُروجِه، وغسلِ الدم عنه، ووضوئِه عندَهم، وغيرُ جائزٍ فعلُ مثلِ


= الفتح ٣/ ٩٧ سبب هذا الوهم، فقال: "وسببه أنه -يعني الزهري- جعل القصّة لذي الشمالين، وذو الشمالين هو الذي قُتل ببدر، وهو خُزاعي، واسمه عمير بن عبد عمرو بن فضلة، وأما ذو اليدين فتأخّر بعد النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بمُدّة، لأنه حدّث بهذا الحديث بعد النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كما أخرجه الطبراني وغيره، وهو سُلَميّ، واسمُه الخرباق".
وقال: "وقد اتفق معظم أهل الحديث من المصنِّفين وغيرهم على أن ذا الشمالين غير ذي اليدين، ونصَّ على ذلك الشافعيُّ رحمه اللَّه في اختلاف الحديث". ينظر: اختلاف الحديث ٨/ ٦٥١ - ٦٥٢.
(١) قفز نظر ناسخ الأصل إلى لفظة "الصلاة" الآتية فسقط ما بينهما.
(٢) ونحو هذا الكلام قاله الشافعيُّ في اختلاف الحديث ٨/ ٦٥٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>