للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو عُمر: لمّا نُهِي الرَّجُلُ عن مَنع فَضْلِ ماءٍ قد حازَهُ بالاحتِفارِ، لئَلّا يمنَعَ ما ليسَ لهُ منعُهُ، دلَّ على أنَّ ذلك، واللهُ أعلمُ، كما قال مالكٌ: أَنَّهُ فيما لا يُملَكُ من الفَلَواتِ، وأنَّ ذلك الماءَ، ماءُ الآبارِ المُحتَفرةِ هُناكَ (١)، لسَقيِ المواشِي في أرْضٍ غيرِ مملُوكةٍ من المَواتِ، دُونَ الفَلَواتِ، فيكونُ لحافِرِ البِئرِ هُناكَ حقُّ التَّبدِئَةِ، ولا يَمنعُ فضلَ ذلك الماءِ؛ لأنَّ في مَنعِهِ ذلك، حِمَى ما ليسَ يملِكُهُ من الكلأ هُنالِك.

وقد مَضَى ما للعُلماءِ في هذا المعنى، في بابِ أبي الرِّجالِ، والحمدُ لله (٢).

وقد ذكرَ عبدُ الملكِ بن حبِيبٍ (٣)، عمَّن لَقِي من أصحابِ مالكٍ، أنَّ تأوِيلَ قولِهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لا يُمنَعُ نَقْعُ بئرٍ" (٤). وتأوِيلُ الحديثِ الآخَرِ: "لا يُمنَعُ رَهْوُ بئرٍ" (٥). وقولُهُ - صلى الله عليه وسلم -: "لا يُمنَعُ فضلُ الماءِ، ليُمنَعَ به الكلأُ". معنى هذه الثَّلاثةِ الأحادِيثِ واحِدٌ.

قال: فأمّا تأوِيلُ قولِهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لا يُمنَعُ نقعُ بئرٍ". فهُو أن يحتفِرَ الرَّجُلُ البِئرَ في الفلاةِ من الأرضِ، التي ليسَتْ مِلكًا لأحَدٍ، وإنَّما هي مرعَى للمَواشي، فيُرِيدُ أن يَمنَعَ ماشِيةَ غيرِهِ أن تُسْقَى بماءِ تلك البِئرِ.

قال: وفيها قال رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يُمنَعُ فضلُ الماءِ، ليُمنَع به الكَلأُ".

قال: يقولُ: إذا منعَ حافِرُ تلك البِئرِ، فضلَ مائها، بعدَ رِيِّ ماشِيتِهِ (٦)، فقد منَعَ الكَلأَ الذي حولَ البِئرِ، لأنَّ أحَدًا لا يرعَى حيثُ لا يكونُ لماشِيتِهِ ماءٌ تَشْربُهُ.


(١) من قوله: "وفي هذا الحديث دليل" إلى هنا، جاء مكانه في ي ١، ت: "فلا معنى لإعادة ذلك ها هنا".
(٢) من قوله: "لسقي المواشي" إلى هنا، سقط من ي ١، ت.
(٣) تفسير غريب الموطأ ٢/ ٢٢، ٣٢.
(٤) هو في الموطأ ٢/ ٢٨٩ (٢١٧٠).
(٥) أخرجه أحمد في مسنده ٤١/ ٣١٦ (٢٤٨١١) من حديث عائشة. وانظر: المسند الجامع ٢٠/ ٢٢ (١٦٧٧٥).
(٦) في الأصل: "ماشيتها"، والمثبت من د ٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>