للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: ويجِبُ على حافِرِ البِئرِ، ألّا يمنع من لهُ ماشِيةٌ ترعى في ذلك الكلأ والفَلاةِ أن يَسْقُوا ماشِيتهُم من فضلِ ماءِ تِلك البِئرِ، التي انفردَ بحفرِها دُونهُم.

قال: ويُجبَرُ على ذلك، وإن لم يكونُوا أعانُوهُ على حَفرِ تلك البِئرِ، إلّا أنَّهُ المبدأُ بسَقْيِ ماشيتِهِ، لأنَّ رسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - جَعلَهُ المبدأَ في ذلك الماءِ أن يَسْقِي ماشِيتهُ قبلَ غير، ولا يَمْنع فَضْلَهُ غيرَهُ. قال: وذُرِّيَّتُهُ، وذُرِّيَّةُ ذُرِّيَّتِهِ على مِثلِ حالِهِ، في تَقدِيمِهِم على غيرِهِم، ولا بيعَ لهم في ذلك ولا مِيراثَ، إلّا التَّبْدِيةُ بالانتِفاع في مائها.

قال: وأمّا الرَّجُلُ يحتفِرُ في أرضِ نَفسِهِ ومِلكِهِ بئرًا، فلهُ أن يمنعَ ماءَها أوَّله وآخِرهُ، ولا حقَّ لأحَدٍ فيها مَعهُ، إلّا أن يَتطوَّعَ. كذلك فسَّر لي في جميع ذلك من لقِيتُ من أصحابِ مالكٍ.

قال أبو عُمر: أمّا قولُهُ: إنَّ معنَى حديثِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "لا يُمنَعُ نَقْعُ بئرٍ"، وحديثهِ الآخر: "لا يُمنَعُ فَضلُ الماءِ، ليُمنع به الكلأُ". تأوِيلُهُما ومَعناهُما واحِدٌ. فهُو نحو ما قال.

ولكِنَّ قولَهُ - صلى الله عليه وسلم -: "لا يُمنَعُ فَضْلُ الماءِ ليُمنَع به الكلأُ". لم يختَلِف قولُ مالكٍ أنَّها آبارُ الماشِيةِ في الفَلَواتِ ومَواضِع الكلأ. قال: لأنَّهُ إذا منعَ فضلَ ماءِ بئرِ الماشِيةِ، لم يَسْتطِع أحدٌ أن يَرْعَى في الكَلأ بغيرِ ماءٍ يَسْقِي به ماشِيتهُ، ولو منعَ من فضلِ ذلك الماءِ، مَنَع فضلَ الكلأِ الذي حَوْلهُ.

قال مالكٌ: ولا أرَى أن يحِلَّ بيعُ ماءِ بئرِ الماشِيةِ (١).

قال: وأمّا بئرُ الزَّرع، فلا بأسَ ببيع مائها. وقال في بئرِ الزَّرع وبِئرِ النَّخلِ: إنَّهُ لا يُكرَهُ ربُّها على أن يَسْقِيَ فضلَ مائه (٢) غيرَهُ، وإنَّهُ لحَسَنٌ أن يفعلَ، إلّا إن


(١) انظر: المدونة ٣/ ٣١٢.
(٢) في م: "مائها".

<<  <  ج: ص:  >  >>