للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وليسَ من بابِ الغيبةِ في شيءٍ، وهُو يُعارِضُ قولهُ: "إذا قُلتَ في أخِيكَ ما فيه فقدِ اغْتَبتهُ" (١).

وقد أجمعُوا على أَنَّهُ جائزٌ تَبيِينُ حالِ الشّاهِدِ، إذا سألَ عنهُ الحاكِمُ، وتبينُ حالِ ناقِلِ الحديثِ، وتبينُ حالِ الخاطِبِ إذا سُئلَ عنهُ.

وفي ذلك أوضَحُ الدَّلائلِ على أنَّ حديث الغِيبةِ ليسَ على عُمُومِهِ، وقد قيل: إنَّ الغيبةَ إنَّما هي أن تَصِفهُ على جِهَةِ العَيْبِ لهُ بما في خِلْقتِهِ، من دَمامةٍ، وسُوءِ خَلْقٍ، وقِصَرٍ (٢)، أو عَوَرٍ (٣) أو عَمَشٍ، أو عَرَج، ونحوِ ذلك (٤)، وأمّا أن تذُمَّهُ بما فيه من أفعالِهِ، فليسَ ذلك غيبةً.

وهذا عِندِي ليسَ بالقوِيِّ، والذي عليه مَدارُ هذا المعنى، أنَّ منِ استُشِيرَ، لَزِمهُ القولُ بالحقِّ، وأداءُ النَّصِيحةِ، وليسَ ذلك من بابِ الغِيبةِ؛ لأنَّهُ لم يَقْصِد بذلك إلى لذَّةٍ (٥)، ولا إلى شِفاءِ غيظٍ، ولا أذًى، ويكونُ حديثُ الغِيبةِ مُرتَّبًا على هذا المعنى.

وفي هذا الحديثِ أيضًا دليلٌ على استِشارةِ ذَوِي الرَّأيِ، وأنَّهُ جائزٌ أن يَسْتشِيرَ الرَّجُلُ من يَرْضَى رأيه ودِينهُ (٦) في امرأتينِ يُسمِّيهِما لهُ، أيَّتهُما يتزوَّجُ؟ وكذلك للمَرْأةِ في رجُلينِ أيَّهُما تَتَزوَّجُ؟


(١) أخرجه أحمد في مسنده ١٢/ ٥٦، و ١٤/ ٥٥٢، و ١٦/ ٦ (٧١٤٦، ٩٠٠٩، ٩٩٠١)، والدارمي (٢٧١٤)، ومسلم (٢٥٨٩)، وأبو داود (٤٨٧٤)، والترمذي (١٩٣٤)، والبزار في مسنده ١٥/ ٧٠، ٧٧ (٨٢٩٩، ٨٣١٤)، والنسائي في الكبرى ١٠/ ٢٦٨ (١١٤٥٤)، وأبو يعلى (٦٤٩٣)، وابن حبان ١٣/ ٧١ - ٧٢ (٥٧٥٨، ٥٧٥٩)، والبيهقي في الكبرى ١٠/ ٢٤٧، والبغوي في شرح السنة (٣٥٦٠) من حديث أبي هريرة، به. وانظر: المسند الجامع ١٧/ ٦١٤ - ٦١٥ (١٤٢٠٤).
(٢) في م: "أو قصر".
(٣) قوله: "أو عور" سقط من م.
(٤) قوله: "ونحو ذلك" لم يرد في د ٢.
(٥) في م: "لمزه".
(٦) في ي ١، م: "دينه" بدل: "رأيه ودينه".

<<  <  ج: ص:  >  >>