للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وفيه: أنَّ للمُسْتشارِ أن يُشِيرَ بغيرِ منِ استُشِيرَ فيه؛ لأنَّهُ أشارَ - صلى الله عليه وسلم - بأُسامَةَ (١)، ولم تذكُر لهُ إلّا أبا جَهْم ومُعاويةَ (٢).

وفي قولِهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أمّا مُعاويةُ فصُعلُوك لا مالَ لهٌ، وأمّا أبو جَهْم فلا يضعُ عَصاهُ عن عاتِقِهِ". دليلٌ على جَوازِ الإغياءِ (٣) في الصِّفةِ، وأنَّ المُغيِّي لا يَلْحقُهُ كذِبٌ، إذا لم يَقْصِد قصدَ الكذِبِ، وإنَّما قصدَ الإبلاع في الوَصْفِ.

ألا تَرَى أنَّ مُعاويةَ قد ملكَ ثوبهُ، وغير ذلك، وهُو مالٌ، وفي غيرِ حديثِ مالكٍ: "لا يَمْلِكُ شيئًا" (٤).

وكذلك قولُهُ: "لا يَضَعُ عَصاهُ عن عاتِقِهِ". ومعلُومٌ أَنَّهُ كان يُصلِّي، وينامُ، ويأكلُ، ويشربُ، وَيشْتغِلُ بأشياءَ كثِير غيرِ ضَرْبِ النِّساءِ (٥)، ولكِنَّهُ لمّا كان يُكِثرُ ضربَ النِّساءِ، نسَبَهُ إلى ذلك، على ما قالتِ الحُكماءُ: من أكثرَ من شيءٍ، عُرف به، ونُسِب إليه. ولم يُرِد بذِكرِ العَصا هاهُنا، العصا التي يُضرَبُ بها، وإنَّما أرادَ الأدب (٦) باللِّسانِ واليَدِ وبما يحسُنُ الأدبُ بمِثلِهِ، يصنعُ في أهلِهِ كما يَصْنعُ الوالي في رَعِيَّتِهِ.

وقد رُوِي عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، أنَّهُ قال لرجُلٍ أوْصاهُ: "ولا تَرْفَعْ عصاكَ عن أهلِكَ، وأخِفهُم في الله" (٧). رُوِي هذا من حديثِ المِصرِيِّين (٨)، عن عُبادةَ بن


(١) في ي ١، م: "إلى أسامة".
(٢) زاد هنا في ي ١: "وهذا الحديث أصل يجب أن يعتمد عليه، وهو أصح إسنادًا من حديث الغيبة".
(٣) الإغياء: الاستقصاء، والغاية: مدى كل شيء. انظر: العين ٨/ ٤٥٧.
(٤) سلف تخريجه في هذا الباب.
(٥) من هنا إلى كلمة: "النساء" الآتية سقط من د ٢، قفز نظر.
(٦) في م: "الآداب".
(٧) أخرجه ابن عبد الحكم في فتوح مصر، ص ٤٥٤، والطبري في تهذيب الآثار (٦٨٦)، والشاشي في مسنده (١٣٠٩)، والضياء في المختارة ٨/ ٢٨٧ - ٢٨٨ (٣٥١) من حديث عبادة. وأخرجه البخاري في الأدب المفرد (١٨) من حديث أبي الدرداء.
(٨) في ج ٢: "البصريّين"، ولا يصح، فحديث عبادة سنده مصري، وحديث ابن عباس سنده كوفي.

<<  <  ج: ص:  >  >>