للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الصّامِتِ، فيما أوصاهُ به رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، وبعضُهُم يقولُ فيهِ: "لا تضَعْ عصاكَ عن أهلِكَ، وأنصِفْهُم من نفسِكَ". وقال - صلى الله عليه وسلم -: "علِّق سَوْطكَ حيثُ يراهُ أهلُكَ" (١).

وفي هذا كلِّهِ ما يُوضِّحُ لكَ أنَّ للرَّجُلِ ضَرْبَ نِسائهِ فيما يُصلِحُهُم، وتَصْلُحُ به حالُهُ وحالُهُم مَعهُ. كما لهُ أن يضرِبَ امرأتهُ عِندَ امتِناعِها عليه ونُشُوزِها، ضربًا غيرَ مُبرِّح.

وقد رُوِي عن الحسنِ وقتادةَ: أنَّ رجُلًا ضربَ امرأتهُ وجرَحَها، فأتوُا النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يطلُبُونَ القِصاصَ، فأنزلَ الله تعالى ذكرُه: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} الآيةَ (٢) [النساء: ٣٤].

فمعنى العَصا في هذينِ الحديثينِ، الإخافَةُ والشِّدَّةُ بكلِّ ما يَتَهيَّأُ ويُمكِنُ، ممّا يجمُلُ ويحسُنُ من الأدبِ، فيما يجِبُ الأدبُ فيهِ.

وقد قال بعضُ أصحابِنا: إنَّ فيه إباحَةَ ضربِ الرَّجُلِ امرأتُهُ ضربًا كثِيرًا؛ لأنَّهُ قصدَ به قصدَ العَيْبِ لهُ، والضَّربُ القليلُ ليسَ بعَيْبٍ، لأنَّ الله قد أباحَهُ. قال: ولمّا لم يُغيِّر رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - على أبي جَهْم ما كانَ عليه من ذلك، كان في طرِيقِ الإباحَةِ.

وفيما قال من ذلك، واللّهُ أعلمُ، نظرٌ. قال (٣) ابنُ وَهْبٍ: ذمُّهُ لذلك، دليلٌ على أنَّهُ لا يجُوزُ فِعلُهُ.

ومن هذا قالتِ العربُ: فُلانٌ ليِّنُ العَصا، وفُلانٌ شدِيدُ العَصا. يقولُونَ ذلك في الوالي وما أشْبَههُ.


(١) أخرجه الحسين بن الحسن المروزي في البر والصلة (١٨٧)، والطبري في تهذيب الآثار (٦٨٣)، والطبراني في الكبير ١٠/ ٣٤٥ (١٠٦٧٢) من حديث ابن عباس.
(٢) انظر: تفسير الطبري ٨/ ٢٩١ - ٢٩٢ (٩٣٠٥، ٩٣٠٧)، وتفسيره ابن أبي حاتم ٣/ ٩٤٠ (٥٢٤٦).
(٣) من هنا إلى آخر العبارة لم يرد في د ٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>