للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الرُّطب إذا يَبِس؟ هكذا رواهُ عبدُ الله بن نُمير وحمّاد بن سَلَمة عن مالك، فقالا: أليس يَنقُص؟ (١).

فهذا تقرِيرٌ منهُ وتوبِيخٌ، وليسَ باستِفهام في الحَقِيقةِ؛ لأنَّ مِثلَ هذا لا يجُوزُ جَهلُهُ على النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، والاستِفهامُ في كلام العَرَبِ قد يأتي بمعنى التَّقرِيرِ كثِيرًا، وبمعنى التَّوبِيخ، كما قال الله عزَّ وجلَّ: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ} [المائدة: ١١٦]. فهذا استِفهامٌ معناهُ التَّقرِيرُ، وليس معناهُ أنَّهُ استَفْهَمَ عمّا جهِلَ (٢)، جلَّ الله وتعالى عن ذلك، ومن التَّقرِيرِ أيضًا بلفظِ الاستِفهام، قولُهُ عزَّ وجلَّ: {آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ} [يونس: ٥٩]، وقولُهُ: {آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ} [النمل: ٥٩]، وقولُهُ: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَامُوسَى (١٧) قَالَ هِيَ عَصَايَ} [طه: ١٧ - ١٨] وهذا كثِيرٌ.

وقولُهُ - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديثِ: "أينقُصُ الرُّطبُ إذا يبِسَ؟ " نحو قولِهِ: "أرأيتَ إن منعَ الله الثَّمرةَ، فبمَ (٣) يأخُذُ أحدُكُم مالَ أخِيهِ؟ " (٤). فكأنَّهُ (٥) قد قال: أليسَ الرُّطبُ إذا يبِسَ نقصَ؟ فكيف تبِيعُونهُ بالتَّمرِ، والتَّمرُ لا يجُوزُ بالتَّمرِ إلّا مِثلًا بمِثل، والمُماثلةُ معدُومة (٦) في مِثلِ هذا، فلا تبِيعُوا التَّمر بالرُّطبِ بحالٍ.

فهذا أصلٌ في مُراعاةِ المآلِ في ذلك. وهذا تقديرُ (٧) قولِهِ - صلى الله عليه وسلم - عِندَ من نزَّهَهُ، ونفى عنهُ أن يكون جهِلَ أنَّ الرُّطَبَ ينقُصُ إذا يبِسَ، وهذا هُو الحقُّ إن شاءَ الله تعالى، وبه التَّوفِيقُ.


(١) قوله: "وقد روي هكذا. . .أليس ينقص؟ " لم يرد في الأصل.
(٢) في الأصل: "استفهام عما فهم"، والمثبت من د ٢.
(٣) في م: "فيم".
(٤) أخرجه مالك في الموطأ ٢/ ١٤٠ (١٨٠٨) من حديث أنس.
(٥) في م: "فإنه".
(٦) في الأصل، م: "معروفة"، والمثبت من د ٢.
(٧) في م: "تقرير".

<<  <  ج: ص:  >  >>