الأنبِياء؟ هذا ما لا يتَوهَّمُهُ ذو لُبٍّ إن شاءَ الله. وقد مضى القولُ في هذا العنى، في بابِ أبي الزِّنادِ، والحمدُ لله.
وفيه: ما كان عليه ابنُ عُمرَ من التَّبرُّكِ بحرَكاتِ رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، اقتِداءً به، وتأسِّيًا بحرَكاتِهِ، ألا تَرَى أنَّهُ إنَّما سألهُم عن الموضِع الذي صلَّى فيه رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - من مَسْجدِهِم، ليُصلِّي فيه، تَبرُّكًا بذلك، ورَجاءَ الخيرِ فيهِ. وفي قولِ ابنِ عُمر لعبدِ الله بن عبدِ الله بن جابرِ بن عَتِيكٍ: أخْبِرني بهِنَّ، ثُمَّ قولِهِ لهُ إذ أخبَرهُ بهِنَّ: صدقتَ، دليلٌ على أنَّهُ قد كان يعلَمُ ما سألَ عنهُ، والله أعلمُ.
وقد بان بحمدِ الله في هذا الحديثِ: أنَّ الله لا يُهلِكُ أُمَّةَ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - بالسِّنِينَ، ولا يعُمُّهُم في أقْطارِ الأرضِ بجُوع وجَدْبٍ، وهذا يدُلُّ على أنَّ الأرضَ كلَّها لا يَعُمُّها الجَدْبُ أبدًا؛ لأنَّ أُمَّتهُ في أكثرِ أقْطارِها، وإذا لم يَعُمَّهُمُ الجَدْبُ والقَحْطُ والجُوعُ، فأحْرَى ألّا يعُمَّ الأرض.
وفي هذا الحديثِ دليلٌ واضِحٌ، على أنَّ دِينَ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - لا يزالُ إلى أن تقُومَ السّاعةُ، ولا يُهلِكُ أمَّةَ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - عدُوٌّ يَسْتأصِلُها أبدًا، وأنَّها في أكثرِ أقطارِ الأرضِ، والحمدُ لله كثِيرًا.
وفيه دليلٌ على أنَّ الفِتنَ لا تزالُ في أُمَّةِ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، يَقتُلُ بعضُها بعضًا، ما بَقِيتِ الدُّنيا؛ لأنَّهُ قد مُنِعَ - صلى الله عليه وسلم - ألّا يُجعلَ بأسُهُم بينهُم. قال ابنُ عُمر: فلن يزالَ الهَرْجُ إلى يوم القِيامَةِ.
حدَّثنا عبدُ الوارِثِ بن سُفيانَ وسعِيدُ بن نَصْرٍ، قالا: حدَّثنا قاسمُ بن أصبغَ، قال: حدَّثنا إسماعيلُ بن إسحاقَ، قال (١): حدَّثنا سُليمانُ بن حَرْبٍ، قال: حدَّثنا
(١) أخرجه في جزء أيوب (١٩). ومن طريقه أخرجه أبو عمرو الداني في الفتن (٤، ٥٥). وأخرجه أحمد في مسنده ٣٧/ ٧٨ - ٧٩ (٢٢٣٩٥)، وأبو داود (٤٢٥٢)، وأبو نعيم في حلية الأولياء ٢/ ٢٨٩، وفي دلائل النبوة له (٤٦٤)، والقضاعي في الشهاب (١١١٣) من طريق سليمان بن حرب، به.=