للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

موتَ إبراهيمَ ابنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فكُنتُ كلَّما صِحْتُ أنا وأُختِي، لا ينهانا رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، فلمّا ماتَ، نهانا عن الصِّياح (١).

وأمّا قولُهُ: "فإذا وجَبَ فلا تبكِينَّ باكِيةٌ". وتفسِيرُهُ لذلك، بأنَّهُ إذا ماتَ، فأظُنُّ ذلك، واللهُ أعلمُ، مأخُوذ من وَجْبةِ الحائطِ (٢)، إذا سقطَ وانهدَمَ.

وفيه: أنَّ المُتَجهِّز (٣) للغَزْوِ، إذا حِيلَ بينهُ وبينهُ، يُكتَبُ لهُ أجرُ الغازِي، وَيقعُ أجرُهُ على قدرِ نِيَّتهِ. والآثارُ الصِّحاحُ تدُلُّ على أنَّ من نَوَى خيرًا وهمَّ به، ولم يصرِفْ نِيَّتهُ عنهُ، وحِيلَ بينهُ وبينهُ، أنَّهُ يُكتَبُ لهُ أجرُ ما نَوَى من ذلك، ألّا تَرَى إلى قولِهِ - صلى الله عليه وسلم -: "من كانَتْ لهُ صلاةٌ بليل، فغَلَبتهُ عينُهُ، كُتِبَ لهُ أجرُ صلاتِهِ، وكان نَوْمُهُ عليه صَدَقةً" (٤).

وقولُه - صلى الله عليه وسلم -: "حَبَسهُمُ العُذرُ". يُبيِّنُ ما ذكرنا.

وحدَّثنا عبدُ الله بن محمدٍ، قال: حدَّثنا محمدُ بن بكرٍ، قال: حدَّثنا أبو داودَ، قال (٥): حدَّثنا موسى بن إسماعيلَ، قال: حدَّثنا حمّادُ بن سلمةَ، عن حُميدٍ، عن موسى بن أنسِ بن مالكٍ، عن أبيهِ، أنَّ رسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لقد تركتُم بالمدِينةِ أقوامًا، ما سِرتُم مَسِيرًا، ولا أنفقتُم من نَفَقةٍ، ولا قَطَعتُم من وادٍ، إلّا وهُم مَعكُم فيهِ". قالوا: يا رسولَ الله، وكيفَ يكونُونَ معنا، وهُم بالمدِينةِ؟ قال: "حَبَسهُمُ العُذرُ".

وقد أشْبَعنا هذا المعنى في بابِ محمدِ بن المُنكدِرِ، من كِتابِنا هذا، والحمدُ لله.


(١) أخرجه ابن سعد في طبقاته ١/ ١٤٣، والطبراني في الكبير ٢٤/ ٣٠٦ (٧٧٥، ٧٧٦)، وابن عساكر في تاريخ دمشق ٣٤/ ٢٩٠، من طريق عبد الرحمن بن حسان، به.
(٢) وجب الحائط: أي سقط. انظر: لسان العرب ١/ ٧٩٤.
(٣) في د ٢: "التجهيز"، والمثبت من بقية النسخ وهو الصواب.
(٤) أخرجه مالك في الموطأ ١/ ١٧٣ (٣٠٧) من حديث عائشة.
(٥) في سننه (٢٥٠٨). وقد سلف في شرح الحديث الرابع لمحمد بن المنكدر، وهو في الموطأ ١/ ١٧٣ (٣٠٧)، وانظر تتمة تخريجه في موضعه.

<<  <  ج: ص:  >  >>