للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي قولِهِ في حديثِ مالكٍ: وليسُوا على ماءٍ، وليس معهُم ماءٌ. دليلٌ على أنَّ الوُضُوءَ قد كانَ لازِمًا لهُم، قبلَ نُزُولِ آيةِ الوُضُوءِ، وأنَّهُم لم يكونُوا يُصلُّونَ إلّا بوُضُوءٍ قبلَ نُزُولِ الآية، لأنَّ قولهُ: فأنزلَ الله آيةَ التَّيمُّم (١). وهي آيةُ الوُضُوءِ المذكُورةُ في سُورة المائدةِ، أوِ الآيةُ التي في سُورةِ النِّساءِ، ليسَ التَّيمُّمُ مذكُورًا في غيرِ هاتينِ الآيتَينِ، وهُما مَدنِيَّتانِ.

والآيةُ ليَسْتَ بالكلِمةِ، ولا الكلِمتينِ، وإنَّما هي الكلامُ المُجتمِعُ الدّالُّ على الإعجازِ الجامِع، لمعنًى مُستفادٍ قائم بنفسِهِ.

ومعلُومٌ أنَّ غُسلَ الجنابةِ لم يُفتَرض قبلَ الوُضُوءِ، كما أنَّهُ معلُومٌ عِندَ جميع أهلِ السِّيرِ: أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - مُنذُ افتُرِضَتْ عليه الصَّلاةُ بمكَّةَ، لم يُصلِّ إلّا بوُضُوءٍ مِثلَ وُضُوئنا (٢) اليومَ، وهذا ما لا يجهلُهُ عالمٌ، ولا يَدْفعُهُ إلّا مُعانِدٌ.

وفيما ذكَرْنا دليلٌ، على أنَّ آيةَ الوُضُوءِ إنَّما نزلَتْ ليكونَ فَرْضُها المُتقدِّمُ متلُوًّا في التَّنزِيلِ، ولها نَظائرُ كثِيرةٌ، ليسَ هذا مَوْضِعَ ذِكرِها.

وفي قولِهِ في حديثِ مالكٍ: فنزلَتْ آيةُ التَّيمُّم - ولم يقُل: آيةُ الوُضُوءِ - ما يُتبيَّنُ به أنَّ الذي طَرَأ إليهم من العِلم في ذلك الوَقْتِ، حُكمُ التَّيمُّم، لا حُكمُ الوُضُوءِ، والله أعلمُ.

ومن فضلِ الله ونِعمتِهِ، أن نصَّ على حُكم الوُضُوءِ وهيئَتِهِ بالماءِ، ثُمَّ أخبَرَ بحُكم التَّيمُّم عِندَ عَدَم الماءِ.

وقد تقدَّم القولُ في فَرْضِ الصَّلاةِ والوُضُوءِ، في بابِ ابنِ شِهابٍ، عن عُروةَ، والحمدُ لله.


(١) زاد هنا في ي ١، ت: "يعني حينئذ".
(٢) هذه الكلمة لم ترد في د ٢، ي ١، ت.

<<  <  ج: ص:  >  >>