وقال آخرونِ إنما نُهيَ عن التنفُّسِ في الإناءِ لأدبِ المُجالسة، لأنَّ المتنفِّسَ في الإناء، قلَّ ما يخلو أن يكونَ مع نَفَسِه رِيْقٌ ولُعابٌ، ومن سُوءِ الأدبِ أن يشربَ، ثم يُناولَ جليسَه لُعابَهُ؛ ألا ترى أنه لو عَمَد إلى الإناءِ فشربَ منه، ثم تفَلَ فيه، وناولَه جليسَه، أنّ ذلك مما تقذِرُهُ النُّفوسُ وتكرهُه، وليس من أفعال ذوي العُقول، فكذلك من تنفَّسَ في الإناء، لأنّه ربّما كان مع تنفُّسِه أكثرُ من التَّفْل من لُعابه، واللَّه أعلم.
وروى عُقيلٌ، عن ابنِ شهاب، قال: بَلغني أنّ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن النَّفْخ في الطَّعام والشَّراب، قال: ولم أرَ أحدًا كان أشدَّ في ذلك من عمرَ بنِ عبد العزيز (١)، وباللَّه التوفيق.
فرغَ الألِفُ، وليس في شيوخ مالكٍ أحدٌ ممن له عنه شيءٌ من حديثِ النبيِّ عليه السلام في موطّئه أولُ اسمِه باءٌ أو تاءٌ.
[آخر المجلد الأول من طبعتنا المحققة، والحمد للَّه رب العالمين].
(١) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنَّف (٢٤٦٥٨) عن عبد اللَّه بن المبارك، عن يونس بن يزيد الأيليّ، عن محمد بن شهاب الزُّهريّ، به. ورجال إسناده ثقات. عُقيل: هو ابن خالد الأيليّ.