للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو عُمر: ما أظنُّ هذا صحيحًا، من قولهم: إنه يُورثُ البَرَصَ، وفي قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "هو أهنأُ، وأمرأُ، وأبرأُ" حُجّةٌ لهذا القول.

وقال آخرون: إنما نُهي عن التنفُّس في الإناء، فيُزيلُ الشاربُ القَدَح عن فيه، لأنه إذا أزالَهُ عن فيهِ صار مستأنفًا للشُّرب، ومن سُنّةِ الشّراب أن يبتديَهُ المرءُ بذِكْرِ اللَّه، فمتى أزالَ القَدَحَ عن فيهِ، حمِدَ اللَّهَ، ثم استأنفَ، فسمّى اللَّهَ، فحصلتْ له بالذِّكرِ حسناتٌ، فإنما جاء هذا رغبةً في الإكثارِ من ذِكْرِ اللَّه على الطَّعام والشَّراب.

قال أبو عُمر: وهذا تأويلٌ ضعيفٌ، لأنه لم يبلُغْنا، أنّ النبيَّ عليه السلام، كان يُسمّي على طعامِه، إلا في أوّلِه، ويحمَدُ اللَّهَ في آخرِه، ولو كان كما قال مَنْ ذكَرْنا قوله، لسمّى عند كلِّ لُقْمة، وحمِدَ عندَ كلِّ لُقمة، وهذا لم يُرْوَ عنه، ولا نعلمُ أحدًا فعَلَه عند كلِّ لُقْمةٍ من طعامِه، وإنْ فعَلَه أحدٌ لم أستَحْسِنْهُ له، ولم أذُمَّه عليه، وقد رُوِيَ حديثٌ بمثل هذا المعنى، رواه وكيعٌ، عن يزيدَ بنِ سنانَ أبي فَرْوة الجَزَرِيِّ، عن ابنٍ لعطاءِ بنِ أبي رَبَاح، عن أبيه، عن ابن عبّاس، قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تَشْربُوا واحدةً، كشُرْبِ البعير، ولكن اشْرَبُوا مَثْنى وثُلاثَ، وسمُّوا إذا شَربتُم، واحمَدُوا إذا رفَعْتُم" (١).


= وذكر هذه الأحاديث البيهقي في الكبرى ١/ ٦ ونقل تضعيف الدارقطني لها. وزاد عليها حديث جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما الذي أخرجه الشافعي في الأم ١/ ١٦ عن إبراهيم بن محمد أبي يحيى، عن صدقة بن عبد اللَّه، عن أبي الزبير مسلم بن تدرس، عنه، وقال الحافظ ابن حجر في تلخيص الحبير ١/ ٢٢: "وصدقة ضعيف، وأكثر أهل العلم على تضعيف ابن أبي يحيى، ولكن الشافعيَّ كان يقول: إنه صدوق وإن كان مبتدعًا، وأطلق النسائيُّ أنه كان يضع الحديث، وقال إبراهيم بن سعد: كنّا نُسمِّيه ونحن نطلب الحديث خُرافة، وقال العجلي: كان قدريًّا معتزليًّا رافضيًّا، كل بدعةٍ فيه".
(١) أخرجه الترمذي (١٨٨٥)، وتمّام في فوائده (٣٤٩)، وإسناده ضعيف لضعف يزيد بن سنان الجَزَري، أبو فروة الرُّهاوي. وقال الترمذي: "هذا حديثٌ غريبٌ".

<<  <  ج: ص:  >  >>