للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - تيمَّمَ في السِّكَّةِ، فضرَبَ بيديهِ على الحائطِ، ومسَحَ بهما وجههُ، ثُمَّ ضربَ ضَرْبةً أُخرى، فمسَحَ بها ذِراعيهِ (١).

وهذا لم يروِهِ عن نافِع أحدٌ غيرُ محمدِ بن ثابتٍ هذا، وبه يُعرَفُ، ومن أجلِهِ يُضعَّفُ، وهُو عِندَهُم حديثٌ مُنكرٌ، لا يَعرِفُهُ أصحابُ نافِع.

قال أبو عُمر: لمّا اختَلَفتِ الآثارُ في كيفيَّةِ التَّيمُّم وتعارَضَتْ، كان الواجِبُ في ذلك الرُّجُوع إلى ظاهِرِ الكِتابِ، وهذا يدُلُّ على ضَرْبتينِ: للوَجْهِ ضربةٌ، ولليَدَينِ أُخرى إلى المِرفقينِ، قِياسًا على الوُضُوءِ، واتِّباعًا لفِعلِ ابنِ عُمر، رحِمهُ الله، فإنَّهُ من لا يُدفَعُ عِلمُهُ بكِتابِ الله، ولو ثبتَ شيءٌ عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في ذلك، وجب الوُقُوفُ عِندَهُ، وبالله التَّوفِيقُ.

وقال الطَّحاوِيُّ: لمّا اختَلفتِ الآثارُ في كيفيَّةِ التَّيمُّم، رجعنا إلى الاعتِبارِ، فوجَدْنا الأعضاءَ التي ذكَرَها الله في الوُضُوءِ، قد سقَطَ التَّيمُّمُ عن بعضِها، وهُو الرَّأسُ والرِّجلانِ، فبطَلَ بذلك قولُ من قال: إلى المناكِبِ، لأنَّ التَّيمُّم لمّا بطَلَ عن بَعضِ ما يُوضَّأُ، كان ما لا يُوضَّأُ أحْرَى أن لا يَلْزمهُ التَّيمُّمُ. قال: ثُمَّ رأينا الوَجْه يُيَمَّمُ بالصَّعِيدِ، كما يُغسلُ بالماءِ، ورأينا الرَّأسَ والرِّجلينِ لا يُيمَّمانِ، فكان ما سقطَ التَّيمُّمُ عن بَعضِهِ، سقطَ عن كلِّهِ، وما وجبَ فيه التَّيمُّمُ، كان كالوُضُوءِ سَواءً، لأنَّهُ جُعِلَ بدلًا منهُ، فلمّا ثبتَ أنَّ بعضَ ما يُغسَلُ من اليَدينِ في حالِ وُجُودِ الماءِ، يُيمَّمُ في حالِ عَدم الماءِ، ثبتَ بذلك أنَّ التَّيمُّم في اليَدَينِ إلى المِرفقينِ، قِياسًا ونَظرًا (٢).


(١) أخرجه أبو داود (٣٣٠)، وابن المنذر في الأوسط (٥٤٠)، والدارقطني في سننه ١/ ٣٢٥ - ٣٢٦ (٦٧٦) من طريق محمد بن ثابت، به. وانظر: المسند الجامع ١٠/ ٣٢ - ٣٣ (٧١٩٨).
(٢) لم نقف على هذا النص في كتب الطحاوي، لكن معناه في شرح معاني الآثار ١/ ١١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>