للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال مالكٌ (١): وهُم أولى برُخصتهِا (٢).

وقال أبو حنِيفةَ: لا تُقسمُ الغنائمُ في دارِ الحربِ. وقال أبو يُوسُف: أحبُّ إليَّ ألّا تُقسمَ في دارِ الحربِ، إلّا أن لا يجِدَ حمُولةً، فيَقْسِمُها في دارِ الحربِ.

قال أبو عُمر: القولُ الصَّحِيحُ في هذه المسألةِ، ما قالهُ مالكٌ والشّافِعيُّ والأوزاعِيُّ، ولا وجهَ لقولِ من خالَفهُم في ذلك من مَعنًى صحِيح، مع ثُبُوتِ الأثرِ عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بخِلافِهِ.

وفيه: جَوازُ مَدْح الرَّجُلِ الفاضِلِ الجليلِ لنَفسِهِ، ونَفيِهِ عن نفسِهِ ما يَعِيبُهُ بالحقِّ الذي هُو فيه وعليه، إذا دفَعَت إلى ذلك ضَرُورةٌ، أو معنًى يُوجِبُ ذلك، فلا بأسَ بذلك، وقد قال الله عزَّ وجلَّ، حاكِيًا عن يُوسُفَ عليه السلام أنَّهُ قال: {إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [يوسف: ٥٥]. وقال رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أنا أوَّلُ من تَنْشقُّ عنهُ الأرضُ، وأوَّلُ شافِع، وأوَّلُ مُشفَّع، وأنا سيِّدُ وَلدِ آدمَ ولا فخرَ" (٣). ومِثلُ هذا كثِيرٌ في السُّننِ، وعن عُلماءِ السَّلفِ، لا يُنكِرُ ذلك إلّا من لا عِلمَ لهُ بآثارِ من مَضَى.

وفيه: دليلٌ، واللهُ أعلمُ، على أنَّ الخلِيفةَ على المُسلِمِينَ لا يجُوزُ أن يكون كذّابًا، ولا بخِيلًا، ولا جبانًا.

وقد أجمعَ العُلماءُ على أنَّ الإمامَ يجِبُ أن لا تكونُ فيه هذه الخِلالُ السُّوءُ، وأن يكون أفضلَ أهلِ وقتِهِ حالًا، وأكملَهم (٤) خِصالًا.

وقد سَوَّى رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحدِيثِ بينَ البُخلِ، والجُبنِ، والكَذِبِ، وأكثرُ الآثارِ على هذا.


(١) انظر: المدونة ١/ ٥٠٣.
(٢) في الأصل، ت، م: "برخصها"، والمثبت من بقية النسخ، وهو الذي في مصادر التخريج.
(٣) سلف تخريجه في الحديث الثالث لزيد بن أسلم، وهو في الموطأ ١/ ٤٦ (٢٦)، وانظر تخريجه في موضعه.
(٤) في الأصل، م: "وأجملهم"، وفي ت: "أجلهم"، والمثبت من د ٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>