للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي ذلك ما يُعارِضُ حدِيث صَفْوان بن سُليم: "أنَّ المُؤمِنَ يكونُ جبانًا، وبَخِيلًا، ولا يكونُ كذّابًا" (١). وقد ذكَرْنا هذا المعنى بما يجِبُ فيه من القولِ، في بابِ صفوانَ، والحمدُ لله.

وأجمعَ الحُكماءُ على أنَّ الكذِبَ في السُّلطانِ، أقبحُ منهُ في غيرِهِ، وأنَّهُ من أكْبرِ عُيُوبِهِ، وأهدمِها لسُلطانِهِ؛ لأنَّهُ لا يُوثَقُ منهُ بوَعدٍ ولا وعِيدٍ، وفي الكَذِب في الوَعْدِ والوَعِيدِ فسادُ أمرِهِ، كما قال مُعاويةُ لعَمرِو بن العاصِ رضِي الله عنهُما: إنَّ فسادَ هذا الأمرِ بأن يُعطُوا على الهَوَى، لا على الغِنى (٢)، وأن يَكذِبُوا في الوَعدِ والوعِيدِ.

وكذلك البُخلُ والجُبنُ في السُّلطانِ، أقبحُ، وأضَرُّ، وأشدُّ فسادًا منهُ على غيرِهِ.

وللكلام في سِيرةِ السُّلطانِ مَوْضِعٌ غير كِتابِنا هذا.

ويَروِي أهلُ الأخبارِ، أنَّ عبد الملكِ بن مروانَ كتب إلى ابن عُمرَ: أنْ بايِع الحَجّاجَ، فإنَّ فيكَ خِصالًا لا تصلُحُ مَعها للخِلافةِ، وهي: البُخلُ، والغَيْرةُ، والعِيُّ. ويُروى أنَّ ذلك كان من مُعاويةَ إليه، واللهُ أعلمُ، في بيعةِ يزِيد، وهُو خبَرٌ لا إسنادَ لهُ، فجاوَبهُ ابن عُمر: {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة: ٢٨٥]، اللهمَّ إنَّ ابنَ مروانَ - أو ابنَ حَرْب - يُعيِّرُني بالبُخلِ، والغَيْرةِ، والعِيِّ، فلو وُلِّيتُ وأعْطَيتُ النّاس حُقُوقهُم، وقَسمتُ بينهُم فيئَهُم، أيُّ حاجَةٍ كانَ بهم حِينئذٍ (٣) إلى مالي، فيُبَخِّلُوني؟ ولو جَلَستُ لهم في مجالِسِهِم، فقَضَيتُ حَوائجهُم، لم تَكُن لهم حاجَةٌ إلى بيتي فيَعْرِفُوا غَيْرتِي، وما مَنْ قرأ كِتاب الله ووعَظَ به، بعَيِّيٍّ.

وأمّا قولُهُ - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحدِيثِ: "أدُّوا الخائط والمِخيط". فالخائطُ: واحِدُ الخُيُوطِ المعرُوفةِ. والمِخيطُ: الإبرةُ. ومن روى: "أدُّوا الخِياط والمِخيط". فإنَّ


(١) هو في الموطأ ٢/ ٥٨٩ (٢٨٣٢).
(٢) المراد أن من يستحق العطاء، من هو أكثر نفعا للناس.
(٣) قوله: "حينئذ" لم يرد في د ٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>