للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن أهجُرَ دار قَوْمِي التي أصبتُ فيها الذَّنبَ، وأن أنخلِعَ من مالي كلِّهِ صَدَقةً إلى اللَّه ورسُولِهِ. فقال: "يُجزِئُكَ الثُّلُثُ أن تصَّدَّق به يا أبا لُبابةَ".

وذكرَ ابن إسحاق هذه القِصَّةَ، فجوَّدها.

أخبَرنا عبدُ الوارِثِ بن سُفيانَ، قال: حدَّثنا قاسمُ بن أصبغَ، قال: حدَّثنا عُبيدُ بن عبدِ الواحِدِ، قال: حدَّثنا أحمدُ بن محمدِ بن أيُّوبَ، قال: حدَّثنا إبراهيمُ بن سَعْدٍ، عن ابن إسحاقَ، في قِصَّةِ بني قُرَيظةَ، فذكَرَها بطُولِها وتمامِها، وذكرَ خُرُوج رسُولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إليهم مع أصحابِهِ، بعدَ انصِرافِ الأحزابِ عن المدِينةِ. قال: وحاصَرهُم رسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- خمسًا وعِشرِينَ ليلةً، فذكَرَ قولَ حُييِّ بن أخطبَ لهُم، قال: ثُمَّ إنَّهُم بَعثُوا إلى رسُولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أنِ ابعَثْ إلينا أبا لُبابةَ بن عَبدِ المُنذِرِ، أخا بني عَمرِو بن عَوْفٍ، وكانوا حُلفاءَ الأوسِ، نَسْتشِيرُهُ في أمرِنا، فأرسَلَهُ رسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إليهِم، فلمّا رأوهُ، قامَ إليه الرِّجالُ، وجهَشَ إليه النِّساءُ والصِّبيانُ يَبكُونَ في وجهِهِ، فرقَّ لهُم، وقالوا لهُ: يا أبا لُبابةَ، تَرَى أن ننزِلَ على حُكم محمدٍ؟ قال: نعم. وأشارَ بيدِهِ إلى حَلْقِهِ: إنَّهُ الذَّبحُ. قال أبو لُبابةَ: فواللَّه ما زالَتْ قَدَماي من مَكانِهِما، حتّى عَرَفتُ أنِّي قد خُنتُ اللَّه ورسُولهُ. ثُمَّ انطلق أبو لُبابةَ على وَجهِهِ، ولم يأتِ رسُولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، حتّى ارتَبطَ في المسجِدِ إلى عَمُودٍ من عُمُدِهِ، وقال: لا أبرحُ مكاني هذا، حتّى يتُوبَ اللَّه عليَّ ممّا صَنَعتُ، وأُعاهِدُ اللَّه: ألّا أطأ (١) بني قُريظةَ أبدًا، ولا أُرَى في بَلَدٍ خُنتُ اللَّه ورسُولهُ فيه أبدًا. فلمّا بلَغَ رسُول اللَّه خَبرُهُ، وكان قدِ اسْتَبطأهُ، قال: "أما إنَّهُ لو جاءَني، لاسْتَغفرتُ لهُ، فأمّا إذ فعَلَ ما فعلَ، فما أنا بالذي يطلقُه من مكانِهِ، حتّى يتُوبَ اللَّه عليه" (٢).


(١) في د ٢: "وعاهد اللَّه: ألّا يطأ"، والمثبت من بقية النسخ، وهو الأولى، لقوله بعد: "ولا أرى".
(٢) أخرجه البيهقي في دلائل النبوة ٤/ ١٥ - ١٦ من طريق ابن إسحاق، به.

<<  <  ج: ص:  >  >>