للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهُو قولُ الشّافِعيِّ (١)، والثَّورِيِّ، والأوزاعِيِّ، وبِهِ قال ابن وَهْبٍ، وأبو زيدِ بن أبي الغَمْرِ، وعليه أكثرُ أهلِ العِلم.

وقال الشّافِعيُّ: الطَّلاقُ والعَتَاقُ من حُقُوقِ العِبادِ، والكفّاراتُ إنَّما تلزمُ في حُقُوقِ اللَّه، لا في حُقُوقِ العِبادِ.

قال أبو عُمر: لا خِلافَ بينِ عُلماءِ الأُمَّةِ، سَلَفِهِم وخَلفِهِم: أنَّ الطَّلاقَ لا كفّارةَ فيه، وأنَّ اليمين بالطَّلاقِ، كالطَّلاقِ على الصِّفةِ، وأنَّهُ لازِم مع وُجوبِ الصِّفةِ.

واختَلَفُوا فيما عدا الطَّلاقِ من الأيمانِ، وقد ذكَرْنا اختِلافهُم هاهُنا، فيمَن حلفَ بصدَقةِ مالِهِ؛ لأنَّ الحدِيثَ المذكُور في هذا البابِ، ليسَ فيه إلّا معنى ذلك، دُونَ ما سِواهُ، فأمّا وُجُوهُ أقوالِهِم في ذلك، فوجهُ قولِ مالكٍ، ومن تابَعهُ، حدِيثُ ابن شِهابٍ، في قِصَّةِ أبي لُبابةَ. ووجهُ قولِ الحكم بن عُتَيبةَ ومن تابَعهُ قد ذكَرناهُ. ووجهُ قولِ من أوجَبَ في ذلك كفّارةَ يمِينٍ، عُمُومُ قولِ اللَّه عزَّ وجلَّ: {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} [المائدة: ٨٩] يعني فحنِثتُم، فعمَّ الأيمان كلَّها، إلّا ما أجمعُوا عليه منها، أو ما كان في معنى ما أجمعُوا عليه من حُقُوقِ العِبادِ.

ولقائلِ هذا القولِ سلفٌ من الصَّحابةِ رضِي اللَّه عنهُم، وهُو أعلى ما قيلَ في هذا البابِ.

ووجهُ حدِيثِ أبي لُبابةَ عِندَ القائلِين بهذا القولِ، أنَّهُ كان على المشُورةِ منهُ لرسُولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في هَجْرِهِ دار قومِهِ، والخُرُوج عن مالِهِ إلى اللَّه ورسُولِهِ، لا أنَّهُ حلَفَ، فأشارَ عليه رسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، إذ شاوَرهُ بأن يُمسِكَ على نَفْسِهِ ثُلُثي مالِهِ، ويتقرَّب إلى اللَّه بالثُّلُثِ، شُكرًا لتوَبتِهِ عليه من ذنبِهِ ذلك (٢)، واللَّه أعلم.


(١) انظر: الأم ٢/ ٢٧٨.
(٢) بعد هذا في م ونسخة الأوقاف المغربية: "هذا على أنّ حديثه أيضًا مُنقطِعٌ لا يتَّصلُ بوجهٍ من الوجوه" وهو معنًى تقدم ولم يرد في الأصل ولا في د ٢ وهما من الإبرازة الأخيرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>