للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وفي هذا القولِ مَعنيانِ: أحدُهُما نفيُ الزَّكاةِ عمّا دُونَ خمسِ أواقٍ.

والمعنى الثّانِي: إيجابُها في ذلك المِقدارِ، وفِيما زادَ عليه بحِسابِهِ. هذا ما يُوجِبُهُ ظاهِرُ هذا الحدِيثِ، لعدَم النَّصِّ عنِ العفوِ (١) عمّا بعدَ الخمسِ الأواقي، حتّى تُبلُغَ مِقدارًا ما، فلمّا عُدِمَ النَّصُّ في ذلك، وجبَ القولُ بإيجابِها في القليلِ والكثِيرِ، بدلالةِ العفوِ عمّا دُونَ الخمسِ الأواقي، وعلى هذا أكثرُ العُلماءِ. وسَنذكُرُ القائلِينَ به، والخِلاف فيه في هذا البابِ بعدُ، إن شاءَ اللَّه.

والأُوقِيَّةُ عِندَهُم: أربعُون دِرهمًا كيلًا، لا خِلافَ في ذلك، والأصلُ في الأُوقِيَّةِ، ما ذكرَ أبو عُبيدٍ في كِتابِ "الأموالِ" (٢)، قال: كانتِ الدَّراهِمُ غير مَعلُومةٍ إلى أيّام عبدِ الملكِ بن مروان، فجَمَعها وجعلَ (٣) كلَّ عَشَرةٍ من الدَّراهِم، وزن سبعةِ مثاقيل. قال: وكانتِ الدَّراهِمُ يومئذٍ من ثمانِيةِ دوانِق زَيْفٍ، ودِرهمٌ من أربعةِ دوانِق جيِّدة. قال: فاجتمعَ رأيُ عُلماءِ ذلك الوقتِ لعبدِ الملكِ، على أن جَمعُوا الأربعةَ الدَّوانِق إلى الثَّمانِيةِ، فصارتِ اثني عشر دانِقًا، فجعلُوا الدَّراهمَ سِتَّةَ دوانِق، وسمَّوهُ كيلًا، واجتمعَ لهم في ذلك أنَّ في كلِّ مِئَتي دِرهم زكاةً، وأنّ أربعينَ دِرهمًا أُوقِيَّةٌ، وأنَّ في الخمسِ الأواقِي، التي قال رسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ليسَ فيما دُونها صدقةٌ". مِئَتي دِرهم لا زِيادةَ، وهي نِصابُ الصَّدقةِ.

قال أبو عُمر: ما حَكاهُ أبو عُبيدٍ يَسْتحِيلُ، لأنَّ الأُوقِيَّةَ على عَهدِ رسُولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يجُز أن تكونَ مجهُولةَ المبلغ من الدَّراهِم في الوَزنِ، ثُمَّ يُوجِبُ الزَّكاةَ عليها، وهي لا يُعلَمُ مبلغُ وَزْنِها. ووزنُ الدِّينارِ دِرهمانِ، أمرٌ مُجتمعٌ عليه في البُلدانِ، وكذلك درهمُ الورق اليومَ أمرٌ مجتَمعٌ عليه، معرُوفٌ في الآفاقِ عِندَ جماعةِ أهلِ الإسلام.


(١) زاد هنا في د ٢: "عما".
(٢) انظر: الأموال (١٦٢٤) بمعناه.
(٣) زاد هنا في ت: "وزن".

<<  <  ج: ص:  >  >>