للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والانتِصارُ ليسَ باعتِداءٍ، ولا ظُلم، ولا ضَررٍ، إذا كان على الوَجهِ الذي أباحَتهُ السُّنَّةُ.

وكذلك ليسَ لأحدٍ أن يضُرَّ بأحَدٍ، من غيرِ الوجهِ الذي هُو الانتِصافُ من حقِّهِ.

ويدخُلُ الضَّررُ في الأموالِ من وُجُوهٍ كثِيرةٍ، لها أحكامٌ مُختلِفةٌ، فمن أدخلَ على أخِيهِ المُسلِم ضَررًا مُنِع منهُ، فإن أدخلَ على أخِيهِ ضررًا بفِعلِ ما كان لهُ فِعلُهُ في مالِه (١)، فأضرَّ فِعلُهُ ذلك بجارِهِ، أو غيرِ جارِهِ، نظرَ إلى ذلك الفِعلِ، فإن كان تركُهُ أكبر ضَررًا من الضَّررِ الدّاخِلِ على الفاعِلِ ذلك في مالِهِ، إذا قطعَ عنهُ ما فعلهُ، قطعَ أكبر الضَّرَرينِ، وأعظمهُما (٢) حُرمةً في الأُصُولِ.

مِثالُ ذلك: رجُلٌ فتحَ كُوَّةً يطَّلِعُ منها على دارِ أخِيهِ، وفيها العِيالُ، والأهلُ، ومن شأنِ النِّساءِ في بُيُوتِهنَّ إلقاءُ بَعضِ ثِيابِهِنَّ، والانتِشارُ في حوائجِهِنَّ، ومَعلُومٌ أنَّ الاطِّلاع على العَوْراتِ مُحرَّمٌ، قد وردَ فيه النَّهيُ.

ألا تَرَى أنَّ رسُولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال لرجُلٍ اطَّلعَ عليه من خِلالِ بابِ دارِهِ: "لو علِمتُ أنَّكَ تنظُرُ، لفقأتُ عينكَ، إنَّما جُعِل الاستِئذانُ من أجلِ النَّظرِ" (٣).

وقد جعل جماعةٌ من أهلِ العِلم من فُقِئَت عينُهُ في مِثلِ هذا هَدْرًا، للأحادِيثِ الوارِدةِ بمعنى ما ذكرتُ لك، وأبى ذلك آخرُونَ وجَعلُوا فيه القِصاص، منهُم مالكٌ، وغيرُهُ.


(١) في م: "فيما له"، وهو تحريف.
(٢) في د ٢: "وأكثرهما".
(٣) أخرجه الطيالسي (١٠٤٢)، والحميدي (٩٢٤)، وأحمد في مسنده ٣٧/ ٤٦٢ (٢٢٨٠٢)، والبخاري (٥٩٢٤، ٦٢٤١)، ومسلم (٢١٥٦)، والترمذي (٢٧٠٩)، والنسائي في المجتبى ٨/ ٦٠، وفي الكبرى ٦/ ٣٧٦ (٧٠٣٥)، وابن الجارود في المنتقى (٧٨٩)، وأبو يعلى (٧٥١٠)، وابن حبان ١٣/ ١٢٦، ٣٤٧ (٥٨٠٩، ٦٠٠١)، والبيهقي في الكبرى ٨/ ٣٣٨، من حديث سهل بن سعد، به. وانظر: المسند الجامع ٧/ ٢٩١ - ٢٩٢ (٥١٠٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>