للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فلِحُرمةِ الاطِّلاع على العَوْراتِ، رأى العُلماءُ أن يُغلِقُوا على فاتِح الكُوَّةِ والبابِ ما فتحَ مما (١) لهُ فيه منفعةٌ وراحةٌ، وفي غَلْقِهِ عليه ضررٌ؛ لأنَّهُم قَصَدُوا إلى قطع أعظم الضَّررينِ، إذا لم يَكُن بُدٌّ من قَطْع أحدِهِما.

وكذلك من أحدث بناءً في رحا ماءٍ أو غيرِ رحًا، فيُبطِلُ ما أحدَثهُ على غيرِهِ مَنْفعةً قدِ (٢) استحقَّت، وثَبَتَ مِلْكِها لصاحِبِها: مُنِع من ذلك؛ لأنَّ إدخالهُ المضرَّةَ على جارِهِ بما لهُ فيه منفعةٌ، كإدخالِهِ عليه المضرَّةَ بما لا مَنْفعةَ فيه.

ألا تَرَى أنَّهُ لو أرادَ هدم مَنْفعةِ جارِهِ وإفسادَها من غيرِ بناءٍ يبنِيهِ لنفسِهِ، لم يكُن ذلك لهُ؟ فكذلك إذا بَنَى بناءً (٣)، أو فعلَ لنفسِهِ فِعلًا يضُرُّ -به- بجارِهِ، ويُفسِدُ عليه مِلكَهُ، أو شيئًا قدِ استَحقَّهُ وصارَ مالهُ.

وهذه أصُولٌ قد بانت عِللُها، فقِس عليها ما كانَ في معناها، تُصِب إن شاءَ اللَّه.

وهذا كلُّهُ بابٌ واحِدٌ مُتقارِبُ المعاني مُتداخِلٌ، فاضبُط أصلهُ.

ومن هذا البابِ (٤) وجهٌ آخرُ من الضَّررِ، منع منهُ العُلماءُ: كدُخانِ الفُرنِ، والحمّام، وغُبارِ الأندرِ (٥)، والأنتانِ، والدُّودِ المُتولِّدةِ من الزِّبلِ المبسُوطِ في الرِّحابِ، وما كان مِثل هذا كلِّهِ، فإنَّهُ يُقطَعُ منهُ ما بانَ ضَررُهُ، وبَقِي أثرُهُ، وخُشِيَ تمادِيه.

وأمّا ما كان ساعةً خفِيفةً، مِثل نفضِ الثيابِ (٦)، والحُصرِ عِندَ الأبوابِ، فإنَّ هذا ممّا لا غِنَى بالنّاسِ عنهُ، وليسَ ممّا يستحِقُّ به شيءٌ يبقى، والضَّررُ في مَنْع مِثلِ هذا أكثرُ وأعظمُ من الصَّبرِ على ذلك ساعةً خفِيفةً.


(١) في م: "ما".
(٢) في د ٢: "ما".
(٣) هذه الكلمة لم ترد في ت، م.
(٤) زاد هنا في ت: "ونحوه".
(٥) الأندر: البيدر، وهو الموضع الذي يُداس فيه الطعام، بلغة الشام. انظر: النهاية ١/ ٧٤.
(٦) في ت، م: "التراب".

<<  <  ج: ص:  >  >>