للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفيه الحضُّ على إكرام الضَّيف وإجازته، وفي ذلك دليلٌ على أن الضِّيافةَ ليست بواجبة، وأنها مستحبةٌ مندوبٌ إليها غيرُ مفترَضة؛ لقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "جائِزتُه". والجوائز لا تجبُ فرضًا؛ لأنها إتحافُ الضيف بأطيبِ ما يُقدَرُ عليه من الطعام. قال ابنُ وَهْب: وسمِعتُ مالكًا يقول في تفسير: "جائزتُه يومٌ وليلة". قال: يُحسِنُ ضيافتَه ويُكرِمُه.

وروَى ابنُ لهيعة، عن يزيدَ بن أبي حبيب، عن أبي الخير، عن عقبةَ بن عامر، قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا خيرَ فيمَن لا يُضيفُ".

رواه ابنُ وَهْب (١)، وقُتيبة، والوليدُ بن مسلم، عن ابن لهيعة.

وروَى أبو تَوْبة الربيعُ بنُ نافع، عن بقيّة (٢)، عن الأوزاعيِّ، أنه قال له: يا أبا عمرو، الضيفُ ينزلُ بنا، فنُطعِمُه الزَّيتون والكامَخ (٣)، وعندَنا ما هو أفضلُ منه، العسلُ والسمن؟ فقال: إنما يفعلُ هذا مَن لا يُؤمنُ باللَّه واليوم الآخر.

قال أبو عُمر: لا أعلَمُ خلافًا بينَ العلماء في مدح مُضِيف الضَّيْف وحمدِه والثناءِ بذلك عليه، وكلُّهم يندُبُ إلى ذلك، ويجعَلُه من مكارم الأخلاق وسُنن المُرسَلين؛ لأنه ثبَت أنّ إبراهيمَ عليه السلام أولُ مَن ضيَّف الضيف (٤)، وحضَّ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على الضِّيافة، وندَب إليها.


(١) أخرجه الرُّوياني في مسنده (١٧٦) من طريق عبد اللَّه بن وهب المصري، به. وأخرجه أحمد ٢٨/ ٦٣٥ (١٧٤١٩) عن حجاج وحسن بن موسى، عن ابن لهيعة، به. وعبد اللَّه بن لهيعة وإن كان ضعيفًا من جهة حفظه، إلّا أنّ حديثه جيّد إذا روى عنه العبادلة، وعبد اللَّه بن وهب واحد منهم كما هو موضَّح ومبيَّن في تحرير التقريب (٣٥٦٣)، وباقي رجال إسناده ثقات. وأبو الخير: هو مرثد بن عبد اللَّه اليَزَنيّ.
(٢) هو بقيّة بن الوليد الكلاعي، ضعيف لأنه كان يدلِّس تدليس التسوية.
(٣) الكامَخ: نوعٌ من الأُدْم، معرَّب، ومنهم مَن خصَّه بالمُخلّلات التي تستعمل لتُشهِّيَ الطعام. اللسان وتاج العروس مادة (كمخ).
(٤) أخرجه مالك في الموطأ ٢/ ٥٠٧ (٢٦٦٨) عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيِّب من قوله.

<<  <  ج: ص:  >  >>