لا أعلمُ بينُهم خلافًا أنّ إمامَيْن في صلاةٍ واحدة من غير عُذرِ حدَثٍ يقطعُ صلاةَ الإمام، ويوجِبُ الاستخلاف - لا يجوز، وفي إجماعهم على هذا دليلٌ على خصوص هذا الموضع؛ لفضل رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولأنّه لا نَظِيرَ له في ذلك، ولأنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ قد أمَرهم أن لا يتقدَّموا بينَ يَدَي اللَّه ورسولِه، وهذا على عُمومه في الصَّلاة والفَتْوَى والأمور كلِّها، ألا ترى إلى قول أبي بكر: ما كانَ لابن أبي قُحافةُ أن يتقدَّمَ بين يَدَيْ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، أو يُصلِّي بين يَدَي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-.
وفضيلةُ الصَّلاةِ خَلْفَ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لا يجهَلُها مسلم، ولا يلحَقُها أحدٌ، وأما سائرُ الناس فلا ضرورةَ بهم إلى ذلك، لأن الأولَ والثاني سَواءٌ، ما لم يكُنْ عُذرٌ، ولو صَلَّى أبو بكر بهم تمام الصلاة لجازَ؛ لقول رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما منعَكَ أن تثبُتَ إذْ أمرتُكَ؟ ". وفي هذا دليلٌ على أنه لولا أنه أمَره ما قال له:"ما منعَكَ أن تَثبُتَ؟ ". وفي هذا ما يدُلُّك على أنهم قد كانوا عرَفوا منه ما يدُلُّ على خُصوصه في ذلك، واللَّه أعلم.
وموضعُ الخصوص من هذا الحديث هو استِئخارُ الإمام لغيره من غير حَدَثٍ يقطَعُ عليه صلاتَه، وأما لو تأخَّر بعد حَدَثٍ وقَدَّم غيرَه لم يكن بذلك بأسٌ، بل في هذا الحديث دليلٌ عليه؛ للعلّة التي ذكَرنا، فكذلك كلُّ عِلّة تمنعُ من تَماديه في صلاتِه.
وقد روَى عيسى، عن ابن القاسم، في رجل أمَّ قومًا، فصلَّى بهم رَكْعةً، ثم أحدَث، فخرَج وقدَّم رجلًا، ثم توضَّأ، وانصرَف فأخرَج الذي قدَّمه وتقدَّم، هل تُجزئ عنهم صلاتُهم؟ فقال: قد جاء الحديثُ عن النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، أنه جاء وأبو بكر يصلِّي بالناس، فسبَّح الناسُ بأبي بكر، فتأخَّر وتقدَّم رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأرى أن يُصلِّي بهم بقيةَ صلاتهم، ثم يجلِسون حتى يُتمَّ هو لنفسه، ثم يُسلِّمُ ويُسلِّمون.
قال عيسى: قلت لابن القاسم: فلو ذكَر قبيحَ ما صنَع بعدَ أن صلَّى رَكْعةً؟