للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن جهة النظر أيضًا، أن النكاحَ مفتقِرٌ إلى التصريح لتقَعَ الشهادةُ عليه، وهو ضِدُّ الطلاق، فكيف يُقاسُ عليه؟ وقد أجمَعوا أن النكاحَ لا ينعقِدُ بقوله: قد أربحتُ لكَ. و: قد أحلَلْتُ لكَ. فكذلك الهبةُ. وقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "استَحلَلتُم فروجَهنَّ بكلمةِ اللَّه" (١)؛ يعنى القرآن، وليس في القرآن عَقدُ النكاح بلفظِ الهبة، وإنما فيه التزويجُ والنكاحُ، وفي إجازة النكاح بلفظ الهبة إبطالُ بعض خصوصيةِ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، واللَّه أعلم.

وفي هذا الحديث أيضًا من الفقه: إجازةُ أخْذِ الأُجْرةِ على تعليم القرآن، وقد اختلَف في ذلك العلماء؛ فكرِهَه قومٌ؛ منهم أبو حنيفةَ وأصحابه، وأجازه آخرونَ؛ منهم مالكٌ، والشافعيُّ، وأبو ثَور، وأحمد (٢).

والحُجّةُ في جواز ذلك حديثُ هذا الباب، وحديثُ أبي سعيدٍ الخدريِّ، عن النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، أنه بعَث سَرِيّةً فنزَلوا بحيٍّ، فسألوهم القِرَى أو الشِّراء، فلم يفعَلوا، فلُدِغ سيِّدُ الحيِّ، فقالوا لهم: هل فيكم من راق؟ فقالوا: لا، حتى تَجعلوا لنا على ذلك جُعْلًا. فجعَلوا لهم قطيعا من غنم، فأتاه رجلٌ منهم، فقرأ عليه "فاتحة الكتاب" فبرَأ، فذبَحوا وشوَوْا وأكلوا، فلما قدِموا على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ذكَروا ذلك له، فقال: "ومن أين علِمتَ أنها رُقْيةٌ؟ مَن أخَذ برُقيَة باطل فلقد أخَذتَ برُقيَة حقٍّ،


(١) جزءٌ من حديث الحج الطويل الذي أخرجه ابن أبي شيبة في المصنَّف (١٤٩٢٥)، وعنه مسلم (١٢١٨) كلاهما عن حاتم بن إسماعيل المدنيّ، عن جعفر بن محمد بن عليّ بن الحسين، عن أبيه، عن جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما.
وأخرجه أبو داود (١٩٠٥)، وابن ماجة (٣٠٧٤)، والنسائي في الكبرى ٤/ ١٥٥ (٣٩٨٧) من طرق عن حاتم بن إسماعيل المدنيّ، به.
(٢) تنظر جملة الأقوال المنقولة عنهم في ذلك: مختصر اختلاف العلماء للطحاوي ٤/ ٩٩ - ١٠٠، والمغني لابن قدامة ٥/ ٤١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>