للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن كانت هبتُه إيّاها ليست على نكاح، إنما وهَبها له ليحضُنَها أو ليكفُلَها، فلا أرَى بذلك بأسًا.

قال ابنُ القاسم: وإن وهَب ابنتَه وهو يريدُ إنكاحَها، فلا أحفَظُه عن مالك، وهو عندي جائزٌ كالبيع (١).

قال مالكٌ (٢): مَن قال: أهبُ لك هذه السِّلْعةَ على أن تعطِيَني كذا وكذا، فهو بيعٌ. وإلى هذا ذهَب أكثرُ المتأخِّرين من المالكيِّين البغداديِّين، وقالوا: إذا قال رجلٌ لرجل: قد وهَبتُ لكَ ابنتي على دينار، جازَ، وكان نِكاحًا صحيحًا، قياسًا على البيع.

وقال أبو حنيفةَ وأصحابُه والثوريُّ والحسنُ بنُ حيٍّ (٣): ينعقِدُ النكاحُ بلفظ الهبةِ إذا كان أشهدَ عليه، ولها المهرُ المسمَّى إن كان سمَّى، وإن كان لم يُسَمِّ لها مهرًا فلها مَهْرُ مثلِها. وممّا احتجَّ به أصحابُ أبي حنيفةَ في هذا، أنَّ الطلاقَ يقعُ بالتصريح وبالكناية، قالوا: فكذلك النكاح. قالوا: والذي خُصَّ به رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- تعَرَّي البُضْع من العِوَض لا النكاحُ بلفظ الهبة.

قال أبو عُمر: الصحيحُ أنه لا ينعقِدُ بلفظِ الهبةِ نكاحٌ، كما أنه لا ينعقِدُ بلفظ النكاح هبةُ شيءٍ من الأموال، مع ما ورَدَ به التنزيلُ المُحْكَمُ في المَوْهُوبة أنها للنبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- خالصةً دونَ المؤمنين، فلمّا لم تصحَّ الهبةُ في ذلك لم يصحَّ بلفظِها نكاحٌ، هذا هو الصحيحُ في النظر، واللَّهُ أعلم.


(١) كذا نقل عنه هنا، وكلام ابن القاسم في المدوّنة ٢/ ١٦٧: "ما سمعت من مالك في هذا شيئًا، ولكنّه إذا كان بصداقٍ فهذا نكاحٌ إذا كان إنما أراد بالهبة وجْهَ النكاح وسَمَّوا الصداق".
(٢) فيما نقله عنه ابن القاسم في المدوّنة ٢/ ١٦٧.
(٣) كما في مختصر اختلاف العلماء للطحاوي ٢/ ٢٩١.

<<  <  ج: ص:  >  >>