للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذكَروا ما روَى شعبةُ وغيرُه، عن أبي بشرٍ، عن سعيدِ بنِ جبير، قال: ذكَروا اللمسَ؛ فقال ناسٌ من الموالي: ليس الجِماعَ. وقال ناسٌ من العرب: اللمسُ: الجماعُ. فأتَيْتُ ابنَ عباس، فقلت: إن ناسًا من الموالي والعرب اختلَفوا في اللَّمْس، وأخبرْتُه بقولهم، فقال: مع أيِّ الفريقَيْن كنتَ؟ قلت: مع الموالي. قال: غُلِب فريقُ الموالي؛ إنَّ اللمسَ والمُباشرةَ الجِماعُ، ولكن اللَّهَ يَكْنِي بما شاء (١).

قالوا: والكتابُ والسُّنةُ والقياسُ والنظر، كلُّ ذلك يدُلُّ على أن المُلامسةَ المقصودَ إلى ذكرِها في آية الوضوءِ هي الجِماع.

قالوا: فأما الكتاب، فقولُ اللَّه عزَّ وجلَّ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ}. يريد: وقد أحدَثْتم قبلَ ذلك، {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} الآية. فأوْجَب غسلَ الأعضاء التي ذكرَها بالماء، ثم قال: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا}. يريدُ الاغتسالَ بالماء، ثم قال: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ}. يريدُ الجِماعَ الذي يوجبُ الجنابة، {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} تتوضأون به من الغائط، أو تَغتسِلون به من الجنابة كما أمرتُكم في أول الآية {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [المائدة: ٦].

قالوا: فإنما أوْجَب في آخر الآية التيممَ على مَن كان أوْجَب عليه الوضوءَ والاغتسالَ بالماءِ في أولِها.

قالوا: وقولُ مَن خالَفنا: إنَّ اللَّهَ لما ذكَر طهارةَ الجُنُب في أول الآيةِ ثم ذكَر المُلامَسةَ في اَخرِ الآيةِ موصولًا بذكرِ الغائط. استدلُّوا بذلك على أنه غيرُ الجنابة، فليس كما قالوا، وإنما كان يكونُ ما قالوا دليلًا لو كان إنما أوْجَب على


(١) أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره ٨/ ٣٨٩، والبيهقي في الكبرى ١/ ١٢٥ (٦٢٠) من طريقين عن شعبة بن الحجّاج، به. وإسناده صحيح، أبو بشر: هو الواسطي، واسمه جعفر بن إياس بن أبي وحشية.

<<  <  ج: ص:  >  >>