للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المَروَزيُّ لمذهبِ الشافعيِّ الذي اختارَه في ذلك. وفي المسألة نظرٌ، ومَن تدبَّر ما أورَدْناه اكتَفى بما وصَفنا (١)، واللَّهُ الموفِّقُ للصَّواب، والهادي إليه لا شَريكَ له.

وفي هذا الحديث ما كانوا عليه من ضيقِ العيش والإقلال، ألا تَرى أنهم كانت يومئذٍ بيوتُهم دونَ مصابيح (٢)، وفي قول عائشة رحمها اللَّه: والبيوتُ يومئذٍ ليس فيها مصابيح. دليلٌ على انها إذ حدَّثَت بهذا الحديث كانت بيوتُهم فيها المصابيح، وذلك أنَّ اللَّهَ فتَح عليهم بعدَ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- من الدُّنيا، فوسَّعوا على أنفسِهم، إذ وسَّع اللَّهُ عليهم، وقولها: "يومئذ" تريد: حينئذٍ؛ لأنّا لو جعلْنا اليومَ النَّهارَ على المعهود، استَحال أن تكونَ المصابيحُ نهارًا في بيوتهم، فعلِمْنا أنها أرادَت بقولها: "يومئذٍ" أي: حينئذٍ. وهذا مشهورٌ في لسان العرب أنها كانت تُعبِّرُ باليوم عن الحين والوقت، كما تُعبِّرُ به عن النهار، واليومُ هو النهارُ كما قال الشاعر:

أجدي (٣) هذا الليلُ لا يتردَّدُ ... وأيُّ نَهارٍ لا يكونُ له غدُ (٤)

يقولُ إذا طال عليه الليل: أجِدًّا أن يكونَ ليلٌ لا يتردَّدُ، أو أن يكونَ يومٌ لا يكونُ له غدٌ، أو ليلٌ لا يكونُ له غدٌ؟! وهذا أشهرُ عندَهم من أن يُحتاجَ فيه إلى الاستِشهاد (٥).


(١) في د ٢: "وصفناه".
(٢) في د ٢: "أنها كانت بيوتهم يومئذٍ ليست فيها مصابيح"، والمثبت من الأصل.
(٣) في الأصل، م: "أجدك"، والمثبت من د ٢، وهو الموافق لمصدر التخريج.
(٤) البيت المؤتلف والمختلف للآمدي ١/ ١٦٨، وعزاه لزِرّ بن محمد الثعلبي، وقال: "أحد بني ثعلبة بن سعد بن ذبيان بن بغيض، شاعر".
(٥) هذا هو آخر المجلد التاسع من نسخة الأصل، وجاء في آخره: "ثم السفر التاسع من كتاب التمهيد، والحمد للَّه حق حمده، وصلى اللَّه على محمد نبيه الأكرم وعبده، يتلوه إن شاء اللَّه في أول العاشر: حديث سابع لأبي النضر: مالك عن محمد بن المنكدر وأبي النضر عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أسامة بن زيد، واللَّه المعين برحمته".

<<  <  ج: ص:  >  >>