للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سمعتُ أبا طلحةَ يقول. فذكَره (١). وقد يحتمِلُ أن يكونَ حديثُ ابنِ شهابٍ في هذا الباب غيرَ حديثِ أبي النَّضْر؛ لأن في حديثِ ابنِ شهابٍ عمومَ الصُّوَر دونَ استثناء شيءٍ منها، وفي حديثِ أبي النَّضْر استثناءُ ما كان رَقْمًا في ثوب، وفيه جمعُ سهلِ بنِ حُنيفٍ في ذلك مع أبي طلحة، فهو غيرُ حديثِ أبي النَّضْر، واللَّهُ أعلم.

وقد كان ابنُ شهابٍ يذهبُ في هذا الباب إلى استعمالِ العموم في كراهةِ الصُّوَرِ كلِّها، على ما ذكَرنا عنه في باب إسحاق من هذا الكتاب. وحديثُ نافع، عن القاسم بنِ محمدٍ بمثلِ حديثِ ابنِ شهاب، عامٌّ أيضًا في الثيابِ وغيرِها، وقد ذكَرنا ذلك في بابِ نافع من كتابنا هذا (٢).

وقد روَى عبدُ العزيز بنُ عِمران، عن مالكِ بنِ أنس، عن الزهريِّ وأبي النَّضْر جميعًا، عن عُبيدِ اللَّه بنِ عبدِ اللَّه بنِ عُتبة، عن أبي طلحة، أن النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن التصاويرِ في البيوت. وهو غريبٌ لمالكٍ عن الزهريِّ خاصة، تفرَّد به عنه عبدُ العزيز بنُ عِمران، رواه عنه يعقوبُ بنُ محمدٍ الزهريُّ.

وللعلماء في هذا الباب أقاويلُ ومذاهبُ؛ منها أنّه لا يجوزُ أن يُمسِكَ الثوبَ الذي فيه تَصاويرُ وتماثيل، سواءٌ كان منصوبًا أو مبسوطًا، ولا يجوزُ دخولُ البيتِ الذي فيه التَّصاويرُ والتماثيلُ في حيطانِه، وذلك مكروةٌ كلُّه؛ لقول رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تدخُلُ الملائكةُ بيتًا فيه تصاويرُ" (٣). فإن فعَل ذلك فاعلٌ بعدَ علمِه بالنهي عن ذلك، كان عاصيًا عندَهم، ولم يَحرُمُ عليه بذلك مِلْكُ الثوبِ ولا البيت، ولكنه يَنبغي له أن يَتنزَّهَ عن ذلك كلِّه ويكرَهَه ويُنابِذَه؛ لما ورَد من النهي فيه.


(١) أخرجه عبد الرّزاق في مصنَّفه ١٠/ ٣٩٧ (١٩٤٨٣) عن معمر بن راشد، به، وعنه أحمد في مسنده ٢٦/ ٢٦٧ (١٦٣٤٦/ ١)، ومن طريقه مسلم (٢١٠٦) (٨٤). وهو عند البخاري (٣٢٢٥) و (٤٠٠٢) من طريقين عن معمر بن راشد، به.
(٢) هو في الموطأ ٢/ ٥٥٨ (٢٧٧٣)، وهو الحديث الثالث والسبعون لنافع، عن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصِّديق، وقد سلف في موضعه.
(٣) ينظر: المغني لابن قدامة ٧/ ٢٨١، والمجموع شرح المهذب للنوويّ ١٦/ ٤٠٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>